الأحد، 4 نوفمبر 2012

أهداف الدعوة السلفية

أهداف الدعوة السلفية
ليست الدعوة السلفية -كما أسلفنا القول- دعوة إلى شعبة من شعب الإيمان، ولا لقضية واحدة من قضايا الإسلام، وليست هي دعوة إصلاحية اجتماعية، ولا دعوة سياسية حزبية، وإنما هي دعوة الإسلام.. الإسلام بكل ما تعني هذه الكلمة من معاني العزة والسيادة والإصلاح والعدل والفلاح في الدنيا والآخرة.
والإسلام دين الله للعالمين؛ فليس هو دين وطن بعينه، ولا شعب بالذات، وإنما هو دين الأرض كلها والناس جميعاً.
ولذلك؛ فالدعوة السلفية كذلك ليست دعوة وطن بعينه، ولا شعب بعينه، وإنما هي المنهج المنضبط لفهم الإسلام والعمل به؛ كما أسلفنا هذا في تعريف هذه الدعوة.
وينبني على القضية السابقة: أن أهداف الدعوة السلفية هي أهداف دعوة الإسلام، وذلك أنها ليست حزباً دينياً بمفهوم العصر، ولا حزباً سياسياً.. إنها منهج ودعوة وطريق لفهم الإسلام والعمل به.
وها هي أهداف هذه الدعوة التي هي نفسها أهداف الدعوة الإسلامية:
أولا: إيجاد المسلم الحقيقي:
جاءت شريعة الإسلام أول ما جاءت لصناعة المسلم، إن صح هذا التعبير، وهو صحيح؛ لقوله تعالى لموسى: {ولتصنع على عيني} (طه:39).
فصناعة الرجال هي مهمة الدعوة الإسلامية.. الرجال بمفهوم الرجولة الكامل..
والإنسان بمفهوم الإنسان الكامل.. والمرأة المسلمة بالمفهوم الصحيح أيضا..
والمسلم الحق والمسلمة الحق يشترط فيهما هذه الشروط، وهي: التوحيد، والامتثال، والتزكية.
المسلم الحق هو الذي يشهد لله بالوحدانية، ويمتثل أوامره، ويبتعد عن نواهيه ما استطاع، ويزكي نفسه بهذا الدين ما استطاع.
ومناهج هذه التربية هي مناهج الدعوة السلفية التي أسلفنا فيها القول تحت عنوان: (الأصول العلمية للدعوة السلفية).
وإذا قلنا: المسلم الحق؛ فإنما نعني التفريق بين هذا الغثاء المنسوب للإسلام زوراً وبهتاناً وبين المسلم بمفهومه الصحيح الآنف.
فالذين ينسبون إلى الإسلام، وهم يمارسون الشرك قولاً واعتقاداً، ويبدلون آيات الله ويحرفونها، ويتحاكمون إلى غير شرعه، ويعادون سنة نبيه، ويستهزئون بها؛ كل أولئك لا يجوز الحكم لأحد منهم بالإسلام.
والمهمة الأولى للدعوة السلفية هي مهمة التعليم والتربية والصناعة بعد التعريف والبيان بالمفهوم الحقيقي للإسلام.
وهذه مهمة عظيمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: [فوالله؛ لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم] (رواه البخاري).
فهداية فرد واحد للإسلام نعمة عظيمة وعمل جليل، أيا كان هذا الفرد: سيداً أو عبداً، فقيراً أو غنياً، عاجزاً أو قوياً، وحسبنا أن الله سبحانه وتعالى عاتب رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه انصرف عن عبد الله بن أم مكتوم الأعمى إلى سيد من سادات قريش؛ يدعوه، ويلح عليه؛ منصرفاً عن هذا الذي جاء يطلب الهداية.
قال تعالى: {عبس وتولى* أن جاءه الأعمى* وما يدربك لعله يزكى* أو يذكر فتنفعه الذكرى}
(عبس:1-4).
يعني الله عز وجل هذا الأعمى.
ثم قال: {أما من استغنى* فأنت له تصدى} (عبس:5-6).
أي: هذا القرشي الذي رأى نفسه مستغنياً عن دعوة الله، فتتصدى أنت له؟!
قال: {ما عليك ألا يزكى} (عبس:7).
أي: ما يضيرك لو لم يتزك هذا المستكبر المستغني.
ثم قال: {وأما من جاءك يسعى* وهو يخشى* فأنت عنه تلهى} (عبس:8-10).
أي: لا تفعل! لا تتلهى عن هذا الذي جاءك يخاف الله ويطلب مرضاته!
ويعنينا الآن أن نفهم أن هذه المهمة الأولى والهدف الأول للدعوة الإسلامية هو مقصود الرب جل وعلا، وهو بذل الهداية؛ ليهتدي من يوفقهم الله، ويشرح صدورهم، أياً كان هؤلاء.
ثانياً: المجتمع المسلم الذي تكون كلمة الله فيه هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى:
الهدف الثاني للدعوة السلفية هو إيجاد المجتمع المسلم الذي يقوم بتآلف تلك اللبنات التي ربيت على أساس الإسلام عقيدة ومنهجاً.
وذلك أن لله أحكاماً في المعاملات، والحدود، والسياسات العامة، والحكم؛ لا يمكن تطبيقها؛ إلا بأن يدين المجتمع بدين الله، ويذعن لشريعته.
وكذلك لا يجد المسلم بالمفهوم الحقيقي لمعنى الإسلام متنفسه وراحته وأمنه وطمأنينته إلا في ظل مجتمع مسلم؛ يحكم بشرع الله، ويعظم حرماته، ويحي شعائره.
ومنذ أن غلب الكفار على أرض الإسلام فمزقوها وأحلوا كفرهم وأنظمتهم وشرائعهم محل شريعة الله ونظامه، والمسلمون في جميع أمصارهم يعانون من هذا البلاء، ويحنون في شوق ولوعة إلى العيش في ظل نظام إسلامي صحيح، تشيع فيه المحبة بين الحاكم والمحكوم، وتختفي فيه المظالم، ويأمن الناس على أموالهم وأعراضهم، وتسود فيه المحبة والإيثار والإخلاص، ويرجع به للمسلمين عزهم ومجدهم الغابر، ويرتفع به الظلم والحيف والفتنة الواقعة على المسلمين في أغلب البلاد.
ولكن مناهج الدعوات للوصول إلى هذه الغاية قد تشعبت وتشتت، وكل منهج في الإصلاح والتربية يحتكر الوصول إلى الهدف وحده؛ غير مقدر للعقبات الهائلة التي وضعت في هذا السبيل.
ومن هذه العقبات على طريق المثال لا الحصر: تلك الردة الجماعية الهائلة في الشعوب الإسلامية، وذلك بعد الصياغة الرهيبة التي صيغت بها عقول أبناء المسلمين، وذلك بالثقافة والقيم المنافية للإسلام، وقد ساعد على هذه الصياغة وسائل الإعلام الضخمة التي تملكها أيدي غير إسلامية، ومناهج التعليم التي وضعت بأمر المستعمر وتخطيطه.
أقول: لم يقدر أصحاب مناهج الإصلاح والدعوات الإسلامية ضخامة العبء الواقع في طريق إقامة مجتمع إسلامي، وتصوروا قيامه بين عشية وضحاها، وبجهود مئة فرد أو مئتين، أو ألف أو ألفين، ولم يدروا أن الأمر أصبح أعظم من هذا؛ إذ يحتاج إلى جهاد وصبر طويل وسنين طويلة؛ في التربية، والتعليم، ونشر الإسلام الصحيح، والتعاون الكامل بين جميع العاملين في حقل الدعوة إلى الله؛ طبقاً للأصول العلمية السلفية السابقة.
ومما يحيرك في أمر تلك المناهج المشار إليها آنفاً أنهم عندما يتخيلون مجتمعاً إسلامياً وحكماً إسلامياً؛ فإنهم لا يجعلون الحكم العثماني مثلاً نموذجاً له، ولا يتواضعون فيرضون أن يكون على مثال الحكم العباسي، ولا يعجبهم أيضاً أن يكون على طراز أموي.. يريدون أن تكون خلافة راشدة.. وأيضا كحكم الشيخين أبي بكر عمر !!
وهذا التصور حسن في ذاته، ولكن هؤلاء المتشدقين بالحكم الإسلامي، الزاعمين الدعوة إليه؛ لا تجد في أخلاقهم وأعمالهم وسلوكهم وعلمهم ما يؤهلهم أن يكونوا أفراداً من هذا المجتمع؛ فضلاً عن أن يكونوا مسؤولين عن إقامته؛ فالأثرة، وحب النفس، والشح، والخوف، والاستبداد، والتعصب للرأي المخالف، والمجادلة بالباطل؛ كل هذه أمراض بلوناها في كثير من هؤلاء المتشدقين، وهي أمراض يسيرة إذا قيست بما هو أعظم منها مما لا يحسن ذكرها في هذه الخلاصة.
والمهم أن أولئك الحالمين بالحكم الإسلامي المتشدقين به بعيدون بعد المشرق والمغرب عن أهدافهم التي يدعونها، فضلاً عن تعجلهم وجهلهم الفاضح بمجريات الأمور من حولهم، ولذلك تتبدد طاقتهم، وتذهب جهود العاملين معهم أدراج الرياح.
ومما يجعل تلك المناهج بعيدة كل البعد عن أهدافها: عدم وضع أصول محددة لفهم الإسلام والعمل به.
وبذلك يصطدم أفراد الدعوة بالاجتهاد الفردي الذي لا يحتكم إلى أصول واحدة، أو بالواقع المرير الذي تحياه أمة الإسلام، فيقع التمزق والضياع، أو اليأس ثم الانحراف.
وقد ظهرت جماعات كثيرة، كثر أفرادها، ولكن سرعان ما تشتت وتمزقت وحدتها؛ لأن أصول فهم العقيدة والشريعة والعمل بالإسلام لم تكن واضحة محددة.
والمنهج السلفي يراعي هذا كله؛ فيؤسس بنيانه على أصول ثابتة لفهم الكتاب والسنة وتوحيد الكلمة والوصول إلى الحق، ويربي أفراده تربية سليمة وفق الأصول العلمية السابقة: التوحيد، الاتباع، التزكية، ويراعي حاضر العالم الإسلامي في الوقت الحاضر، والعقبات العظيمة التي وضعت في سبيل استئناف المسلمين لحياة إسلامية كاملة في ظل حكم إسلامي كامل، فيصلح ما استطاع، ويوحد جهود العاملين للإسلام ما أمكن، والملك كله بيد الله وحده.
{قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير} (آل عمران:26).
ثالثا: إقامة الحجة لله:
كان من أهداف بعثة الرسل أن ينذروا الكافرين والمعاندين حتى لا يكون لهم عذر عند الله يوم القيامة؛ كما قال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبرهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمن وءاتينا داود زبوراً* ورسلاً قد قصصنهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً* رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً} (النساء:163-165).
وأتباع الرسل يقومون بهذه المهمة بعد لحوق الرسل بربهم، وهي أن يبشروا الناس وينذروهم حتى لا يكون للمعاندين منهم حجة أمام الله يوم القيامة؛ كما قال سبحانه وتعالى: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحن الله وما أنا من المشركين}. (يوسف:108).
فأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم خلفاؤه في مهماته -إلا النبوة والرسالة-؛ فجهاد الكافرين، وتنفيذ أحكام الله، والدعوة إليه، والتبشير، والإنذار؛ كل هذه من مهمات الرسل وأعمالهم، وهي واجبة أيضاً في حق أتباعهم والسائرين على منهاجهم.
والمدعو إما أن يستجيب للدعوة، فيهتدي، فيتحقق بذلك الهدف الأول من أهداف الدعوة، وهو بذلك الهدف الثالث للدعوة، وهو ما نحن بصدده الآن؛ أي: تقوم عليه الحجة، وينقطع عذره عند الله تبارك وتعالى.
وفي هذا من الأمر ما فيه؛ لقوله تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء} (البقرة:272).
وقوله تعالى: {إن عليك إلا البلاغ} (الشورى:48).
وقوله تعالى: {إنما أنت منذر} (الرعد:7).
فعلم من هذا أن الأمر موكول بالدعوى ليس إلا، وأما الهداية؛ فإنها من فعل الله سبحانه وتعالى، والله يجريها على من شاء من عباده؛ توفيقاً وإحساناً، نسأل الله أن يجعلنا ممن يجري الخير على يديه؛ إنه هو السميع العليم.
وخلاصة هذا الهدف من أهداف الدعوة هو أن الداعي إلى الله إن لم يتحقق هدفه الأول ويهتدي من يدعوه إلى الله تبارك وتعالى؛ فلا يظنن أن عمله قد ذهب سدى، بل قد أدى واجبه الحقيقي، وهو إقامة الحجة لله، وقطع عذر هذا المعاند أمام ربه يوم القيامة.
وإقامة الحجة تكون في أصل الإسلام -وهو الشهادتين- كما تكون في أركانه.
فمن أقر بالشهادتين، وادعى أنه ناج يوم القيامة؛ دون الصلاة؛ أقيمت عليه الحجة في ذلك بالآيات والأحاديث.
وكذلك الشأن في أركان الإسلام م، بل وفي الواجبات والمحرمات عامة.
فإقامة الحجة على مسلم معاند -وليس من شأن المسلم أن يعاند في ترك واجب أو فعل حرام- واجبه أيضاً؛ لأنها من الدعوة إلى دين الله تبارك وتعالى.
وبهذا ينفرد المنهج السلفي ببيانه لأصول الإسلام وفروعه وآدابه ومستحباته.
وبذلك يظل العمل بالإسلام كاملاً على مدار الزمن؛ لأن إهمال السنن يؤدي إلى إهمال الواجبات، وإهمال الواجبات يؤدي إلى نقض التوحيد.. وهكذا.
والمحافظة على شريعة الإسلام كاملة في العلم والتطبيق هو أحد غايات المنهج السلفي لفهم الإسلام والعمل به.
ولذلك؛ فنحن في المنهج السلفي لا نبرم بإيضاح سنة مهملة، ولا ببيان واجب؛ لأننا نرى أن كل هذه الفرعيات تلتقي مع الأصل الأصيل، وهو إبراز الإسلام دائماً في صورته الكاملة النقية على مدار العصور، وذلك لتبقى شخصية المسلمين واضحة جلية مميزة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وأصحاب المناهج الأخرى يهتمون بقضايا بعينها من الدين، ويهملون سائره، بل ويضيقون ببيانه لهم وحثهم عليه، وما هذا إلا لجهلهم بحقيقة الدين، وذلك أن ترك نصيب وحظ وقسم مما أمر الله به يورث العداوة والبغضاء؛ كما قال تعالى: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثـقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} (المائدة:14).
وهكذا عاب الله على اليهود إيمانهم ببعض آيات الكتاب وكفرهم بالبعض، وما كان كفرهم إلا تركهم العمل به.
وهكذا يحل بالمسلمين إن هم نسوا بعض ما وعظهم الله به وذكرهم وبعض ما أوجبه عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك؛ فالدعوة السلفية دعوة شمولية لأركان الإسلام ومناهجه جميعاً: {يأيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافةً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} (البقرة:208).
فالعمل بجزء من الشريعة وترك جزء آخر من اتباع خطوات الشيطان، الذي يبرر لبعض العاملين في الحقل الإسلامي ترك الواجبات وفعل كثير من المحرمات بدواعي المصلحة المزعومة للدعوة...
والخلاصة: أن إقامة الحجة تكون بالبيان الدائم لأصول الإسلام وفروعه... هذا البيان الذي لا يترك في الحق لبساً حتى ينقطع العذر، ولا يكون لأحد العدول عن فعل الواجب وترك الحرام.
رابعاً: الإعذار إلى الله بأداء الأمانة:
الدعوة إلى الله تبارك وتعالى واجب حتم في الإسلام وأمانة في عنق كل مسلم حمل علماً وأمكنه الله من نشره وإبلاغه، وذلك لأدلة كثيرة جداً؛ منها قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110).
ومعنى الآية أن المسلمين لم يكونوا خير أمة إلا بذلك.
وقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (104).
ومعنى {منكم} هنا: البدء لا التبعيض؛ أي: لتكونوا أمة داعية إلى الخير؛ كما أقول: ليكن منك رجل صالح؛ أي: لتكن أنت رجلاً صالحاً.
وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [من رأى منكم منكراً؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه..] الحديث (رواه مسلم).
إلى أدلة كثيرة لا تحصى كثرة.
والمسلم عندما يدعو إلى الله؛ فإنما يقوم بأداء هذه الأمانة، ويخلي مسئوليته أمام الله تبارك وتعالى؛ كما قال تعالى عن الذين وعظوا إخوانهم من بني إسرائيل، حيث اعتدوا على حرمة السبت، فصادوا السمك محتالين على شرع الله: {قالوا معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون} (الأعراف:164).
فإن الناهين عن المنكر قال لهم بعض الناس: {لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً} (الأعراف:164).
أي أنهم لن يرجعوا عن غيهم وضلالهم، فقالوا المقالة السابقة: {قالوا معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون} (الأعراف:164).
أي: نقوم بالدعوة إعذاراً إلى الله، حتى نعذر عند الله بأننا قمنا بأداء الأمانة، ثم لعل هؤلاء الذين آيستم منهم يرجعون إلى الله سبحانه، والعلم عنده وحده.
وبهذا؛ فالداعي على المنهج السلفي لا بد وأن يجعل نصب عينيه أنه سيتحقق له هدفان ولا بد:
الأول: أن يعذر إلى الله بأداء الأمانة.
الثاني: أن يقيم الحجة لله على المعاندين من خلقه.
وأما الهدفان الباقيان؛ فالأمر فيهما بيد الله سبحانه وتعالى وحده، إن شاء أن يعجل بهما؛ فعل، وإن شاء أن يؤجل ذلك؛ فعل، وهما: هداية الناس، وإقامة شرعه في الأرض.
فالأولى يقول الله فيها: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} (القصص:56).
والثانية يقول الله فيها: {وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً} (النور:55).
فالاستخلاف فعل الله: {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف:21).
والعجلة في تحقيقه من الذين يجهلون سنن الله في الناس.
ولهذا؛ فإن السائر في طريق الدعوة السلفية لا ييأس أبداً، ولا يذهب عمله سدى؛ لأنه لا بد أن يحقق نصف مراده على الأقل، ويبقى دائماً مترقباً فضل الله بهداية الناس إلى طريقه وتمكين أهل الإيمان في الأرض، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم، وهذا هو النصف الآخر، وهو من فعل الله لا من فعل العبد، وما النصر إلا من عند الله؛ كما قال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد:7)، فلننصر الله عز وجل بأن نكون أولاً مؤمنين حقاً، وذلك باتباع المناهج السابقة في الإيمان والعمل، ثم ندعو إلى الله على بصيرة؛ باذلين النفس والمال في سبيل الله، ولنعلم أن من جاهد فإنما يجاهد لنفسه، إن الله لغني عن العالمين.
ونحن ندعو الناس في مشارق الأرض ومغاربها إلى الإيمان بهذه الدعوة بعد تمحيصها والتثبت من قضاياها والتعرف على منهجها، وسيعلمون كما علمنا أنها المنهج الوحيد لفهم الإسلام والعمل به، سيذوقون حلاوة الإيمان ولذته؛ لأن إيمانهم سيكون إيمان يقين وعلم، لا تقليداً وحمية وجهلاً، وسيكون اندفاعهم للعمل اندفاع الواثق العالم المطمئن، لا اندفاع العاطفة وفورة الحماس الموقوتة، التي سرعان ما تتبدد وتضمحل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق