منهج
أهل السنة والجماعة منهج قديم، لم يبتكر في عصر من العصور لا اسماً ولا
رسماً، فتعلقه دائماً ملصق بما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله، وبما أجمع
عليه سلف الأمة، وساروا عليه، ولهذا المنهج مزايا وخصائص ميزته عن سائر
الفرق، وجعلته
دائم الثبات في كل العصور.
|
|
|
الحمد لله الذي جعل اتباع رسوله على محبته دليلاً، وأوضح طرق
الهداية لمن شاء أن يتخذ إليه سبيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له شهادة عبد مخلص لم يتخذ من دونه وكيلاً، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله الذي اختص أمته بأنه لا تزال فيها طائفة على الحق لا يضرهم من خذلهم
ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ولو اجتمع الثقلان على حربهم قبيلاً، صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه خير الناس هدياً وأقومهم قيلاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر
الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
سئل الإمام مالك عن أهل السنة فقال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي ولا قدري ولا رافضي. يقول الدكتور مصطفى حلمي
حفظه الله تعالى: إن أهل السنة والجماعة هم الامتداد الطبيعي للمسلمين
الأوائل الذين تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، ولا
نستطيع أن نحدد لهم بداية نقف عندها كما نفعل مع باقي الفرق، والسؤال عن
نشأة أهل السنة والجماعة سؤال ليس له موضع كما هو الحال إذا تساءلنا عن
منشأ الفرق الأخرى، ولذلك الإمام اللالكائي
رحمه الله تعالى افتتح كتابه القيم: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) بذكر
أئمة السنة الذين ترسموا بالإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ
بذكر أبي بكر ، ثم الخلفاء الثلاثة بعد أبي بكر
، وبقية أهل العلم والدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى زمنه رحمه
الله، وقد ذكر كثيراً من أئمة أهل السنة في معظم الأمصار الإسلامية.
وقال ابن سيرين
: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم،
فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم،
وبداية التميز بين أهل السنة وغيرهم هي الفتنة التي وقعت في آخر عهد عثمان رضي الله تعالى عنه.
إذاً: خلاصة الكلام في هذه النقطة: السؤال عن نشأة مذهب أهل السنة كما يسأل
عن نشأة سائر الفرق لا مكان له ولا محل له؛ لأن مذهبهم هو مذهب الصحابة
الذين تلقوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، لكن السؤال ينبغي أن يوجه إلى
بداية التسمي بهذا الاسم؛ لا نشأة المسمى وهو المذهب وأهله، فمن الخطأ أن
يخلط بين الأمرين، فبداية بروز الاسم غير بداية هذا المنهج.
فالأصل في التسمي بأهل السنة هو ما ورد من النصوص التي تأمرنا باتباع السنة
وبلزوم الجماعة، فالتسمية مأثورة في السنة، وواردة في كلام السلف، أما
بداية التسمي بهذا الاسم فهذا يعني أمراً آخر؛ لأن بعض الناس يخلط بين
بداية التسمية وبين نشأة المسمى وهو المذهب وأهله، حتى رأينا من يتحدث عن
السنة كأنها فرقة أو طائفة طارئة في الإسلام كسائر الفرق الأخرى التي انشقت
عنها.
فمثلاً: الدكتور مصطفى الشكعا يزعم أن تسمية جمهرة المسلمين بأهل السنة تسمية متأخرة يرجع تاريخها إلى حوالى القرن السابع الهجري، أي: بعد الإمام أحمد
بأربعة قرون؛ وهذا كلام لا يثبت أمام التحقيق العلمي كما بينا؛ وإنما كلما
هبت أعاصير البدع تجلى وشاع التميز لأهل السنة بسبب جهود علمائهم في
المنافحة عن هذه السنة، وهناك رسالة بعث بها إلى المأمون نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي يكتب تقريراً للمأمون يتكلم عن الإمام أحمد ومن معه، فيقول: ونسبوا أنفسهم إلى السنة أهل الحق والجماعة، فواضح أن الاصطلاح كان بارزاً جداً في تلك المرحلة.
والعلاقة بين كلمة (أهل السنة) وبين كلمة (الجماعة) كالعلاقة بين الإسلام
والإيمان، يعني: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا؛ إذا ورد واحد
منهما في النص فإنه يشمل المعنيين، وإذا اجتمعا في نص واحد افترقا، فيقال:
أهل السنة والجماعة، فمعنى السنة: الاعتقاد الحق؛ والجماعة: أهل الاعتقاد
الحق، فإذا قلت: الجماعة فقط، ففي هذه الحالة فإنها تجمع الاعتقاد الحق
وأصحابه، وإذا قلت: السنة فقط، فإنها تجمع الاعتقاد الحق وأصحابه، فإذا
اجتمعا معاً افترقا في المعنى، فدل كل لفظ على معناه الخاص به.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
هنا نقطة مهمة جداً، وهي تهتم ببذل النصيحة للسلفيين أسداها فضيلة الدكتور عمر الأشقر حفظه الله تعالى، وهي بعنوان: ضرورة التفريق بين العقيدة وبين ضوابطها، يقول الدكتور الأشقر
حفظه الله تعالى: هنا أمر عظيم لا بد أن يتنبه إليه، ألا وهو الفارق بين
العقيدة وبين القواعد والضوابط التي وضعها علماؤنا في تمييز معتقد أهل
السنة حماية لهم من أن يلتمس بغيره، ومخافة أن يضل المسلمون في باب
الاعتقاد، والاعتقاد: هو العلم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم
الآخر، والقدر، وقد تكفل الكتاب والسنة بتوضيح هذه الأصول توضيحاً ليس عنه
بديل.
لا بد من أجل أن تدرس العقيدة وتكون مؤمناً مستحقاً لوصف الإيمان أن تعرف
كيف تؤمن بالله؟ كيف تؤمن بأركان الإيمان الستة؟
أما ضوابط الاعتقاد: فهي تلك القواعد المنهجية التي تعصم صاحبها من الضلال
في باب الاعتقاد، وقد وضع علماء أهل السنة والجماعة هذه القواعد في مقابل
انحرافات الفرق الإسلامية في مجال الاعتقاد، فإن عامة المتون التي ألفت أو
الكتب التي ألفت في شرح عقيدة أهل السنة والجماعة هي تدور حول قضايا أصول
الدين في مقابلة الانحراف في هذه القضايا، وهي أحياناً لا تستوعب جميع
القضايا، إنما فقط تخص القضايا التي تحقق اختلافاً في العقيدة، فيأتي
بعقيدة أهل السنة والرد على البدع الضالة في نفس هذه العقيدة، فهذه الضوابط
في غاية الأهمية لأنها تعصم من الانحراف في مجال الاعتقاد، وتحصن المسلم
ضد تلك الانحرافات وذلك الضلال، فالعالم بهذه الضوابط يعرف كيف يرد على
شبهات الخصوم ودحضها، وتحتاج دراستها إلى وقت طويل، لكن يقول الدكتور الأشقر
: وأحب أن أقرر هنا أن هذه الضوابط والقواعد مع عظيم أهميتها لا يمكن أن
توجد العقيدة الحية النابضة الدافعة إلى العمل والجهاد والمجاهدة، إن
العقيدة التي ننشد إقرارها في أعماق النفوس وخفايا القلوب لا يمكن أن
تبنيها القواعد الجافة، والضوابط المقننة، إن هذه الضوابط كالحائط الذي
يوضع على حافة الطريق ليمنع السالكين من الخروج عن الجادة السوية، ولكن
الحواجز التي تحجز السالكين عن الانحراف لا يمكن أن تمنح السالكين القوة
الدافعة التي تجعلهم ينطلقون في مسارهم بالسرعة المطلوبة؛ إن الذي يوجد
القوة الدافعة النابضة في أعماق النفوس لون آخر من العقيدة، وأعني بذلك
العقيدة التي تقوم على العلم الذي يسوقه القرآن والسنة في الحديث عن الله
وعظمته وقدرته، ورحمته وهدايته، وأفعاله في خلقه.
وهو نقل هذه المسألة عن السفاريني
حيث يقول: فما ينبغي أن يعلم أن القواعد الكلامية ما رتبت هذا الترتيب
وبوبت هذا الترتيب لتؤخذ منها الاعتقادات الإسلامية والقواعد الدينية، بل
المقصود منها ليس إلا دفع شبه الخصوم، ودحض نهج أهل البدع والضلال. ثم يقول الدكتور الأشقر
: وإذا كان الأمر على ما بينت فإن مسايرة العاملين بالإسلام تحتاج إلى شيء
من المراجعة والتدقيق، فليس العقائديون هم الذين يعلمون ضوابط العقيدة
وحدها، ويعنون بها عنايةً كبيرة، ثم يظنون أنهم حققوا المطلوب، وأصبحوا
الفئة المختارة المتميزة عن غيرها، إن معرفة الضوابط والعلم بها أمر ضروري
ولكنه لا يكفي، والذي يجب أن تشغل به الجماعات ويشتغل به الأفراد شغلاً
كبيراً هو بناء المعرفة الواسعة بالله، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم
الآخر، والقدر.
تعرفون مجموعة الدكتور الأشقر
(العقيدة في ضوء الكتاب والسنة) هذه هي العقيدة، وبعض كتب التوحيد تفصل
الاعتقاد مثل معارج القبول مثلاً، وبعض الكتب العقدية فيها بعض الزلل، وهي
لا تكفي في استيعاب العقيدة التي تتفاعل مع الخلق كما قال تبارك وتعالى في
شأن المؤمنين: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:26-27] فالإشفاق يحصل من التصديق الذي يترتب عن التأثر بهذه النصوص.
|
|
|
|
من خصائص السلفية سد ذرائع الشرك، والكلام في هذا طويل جداً.
كذلك: السلفية درع الأمة الواقي من الضلالات القديمة والمعاصرة، ومعروف
كلام السلف في ذم أهل الهوى والبدع، وكيف حذروا منهم، وهذا موضوع مستقل،
وهناك مواقف محددة للسلفية من هذه الفرق مثل الأشاعرة. . الماتريدية . . الشيعة . . الخوارج . . المعتزلة . . الصوفية وأيضاً الفرق المعاصرة.
كذلك من خصائص السلفية: التزكية التي هي وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]،
فالسلفية لا بد أن ينعكس فيها السلوك العملي، فنحن لا نجزئ هدي محمد صلى
الله عليه وسلم، فإن هدي محمد صلى الله عليه وسلم شامل في كل أحواله، في
عقيدته . . في عبادته . . في جهاده . . في سلوكه، فالسلفية لها منهج شامل لكل نواحي الحياة.
عن عاصم بن عصام البيهقي قال: بت ليلةً عند أحمد بن حنبل
فجاءني بماء فوضعه، فلما أصبح نظر إلى الماء بحاله، فقال: سبحان الله! رجل
يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل! هذا هو المنهج السلفي، فيحتاج الأمر
للمقارنة بين منهج التزكية -تصفية النفوس وتزكيتها- عند أهل السنة الجماعة
والصوفية، لكن نحيل إلى مصادر تتتبع أحوال السلف في جانب العبادة مثل كتاب
حلية الأولياء وسير أعلام النبلاء.
كذلك من خصائص السلفية: الاتباع، فإن الاتباع هو ثمرة محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أمرنا به في القرآن، قال تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل
عمران:31]، فالسلفية موقفها معلوم من التقليد والمذهبية والاتباع، وجهود
السلفية كبيرة في تطهير الأمة من أدران البدع بأنواعها، وبلا شك فإن
السلفية أبعد الجماعات من البدع، وهذا أمر لا يجادل فيه أحد.
كذلك من خصائص السلفية: أنها علاج لمرض الفرقة، بل هي العلاج الوحيد الناجع
لمرض الفرقة، ويكفي أنها دائماً تقترن بأهل السنة والجماعة، فالسلفية تجمع
على الحق، وليست تجمعاً على حساب الحق، بعض الناس العاطفين يتألمون لفرقة
المسلمين، لكنهم لا ينهجون منهجاً علمياً في التجميع، بل قد يكون تجمعهم
على حساب الحق، يقول لك: نتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما
اختلفنا فيه، فهل نعذر الشيعة في اعتقادهم بتحريف القرآن؟! هل نعذر الخوارج
بتكفيرهم الصحابة؟
نقد هذه القاعدة موضوع مهم وكبير، ولكن كما قلنا: السلفية تجمع على الحق،
التجمع شبه كلمة (الجماعة)، على الحق شبه كلمة (السنة)، فهم أهل السنة
والجماعة، تجمعوا على الحق، وليس تجمعهم على حساب الحق. يقول تعالى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [البقرة:137]؛ فإذا خرجنا عن المثلية وقعنا في الشقاق، ويقول: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ [آل عمران:103]، وقال عليه السلام لما أخبر بوقوع الفرقة: (فعليكم بسنتي) فهذا هو علاج الفرقة، (وإياكم ومحدثات الأمور!) فالبدع تفرق كما ذكرنا.
|
|
منهج أهل السنة والجماعة هو المنهج الوحيد الذي يتبنى بحق مبدأ إصلاح ذات البين، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1].
مما يمارسه علماء السلفيين ودعاة أهل السنة والجماعة من تنقية العقيدة من
الشوائب، وتطهير المنهج من الأدران، وتوضيح المنهج الصحيح؛ كل هذا الجهاد
هو عين إصلاح ذات البين، أما أن نقول: إن إصلاح ذات البين أن نؤلف رابطة
مشتركة بين الشيعة والسنة والخوارج والجهمية والقدرية والقرآنيين وكل هؤلاء
الضلال، فهذا تجمع على حساب الحق، وليس تجمعاً على الحق.
إصلاح ذات البين مارسه أئمة السلفيين في كل العصور، مارسه ابن عباس
حينما حاور الخوارج، فإصلاح ذات البين: أن تنقذهم من الفرق النارية، وأن
تعيدهم إلى الفرقة الناجية، هذا هو إصلاح ذات البين، وهذا هو الفهم الصحيح
لإصلاح ذات البين.
الإمام أحمد أصلح ذات البين عندما صبر أمام البدعة رغم امتحانه، وشيخ الإسلام ابن تيمية أصلح ذات البين بجهاد الفرق الضالة.
يوجد كلام طيب جداً للدكتور سفر الحوالي
في كتابه: منهج الأشاعرة في العقيدة، فيه الرد على الذين يطالبون بالتجميع
العاطفي بين أهل السنة والجماعة وغيرهم، وهو كلام في غاية القوة، وفيه رد
على قاعدة المنار التي يسمونها القاعدة الذهبية، ويبدو أنها ذهب مزيف!
فبعض الناس يقول: أنتم تفرقون بين المسلمين، والكلام في التوحيد يفرق بين
المسلمين! فنقول: إذا كان الكلام في التوحيد هو الذي يفرق فهذا تفرق مطلوب؛
لأن محمداً عليه الصلاة والسلام فرق بين الناس، يفرق بين الحق وبين
الباطل.
ونقول: من أراد توحيد المسلمين فأيدينا في يده، والباب مفتوح على مصراعيه،
ونشترط عليه فقط أن يرجع إلى منهج أهل السنة والجماعة، ويتبنى المنهج
السلفي، فلا طريق لتوحيد المسلمين إلا أن يتجمعوا على هذا المنهج.
والسلفية: عبارة عن فكر واحد لكل العقول، وهذا يؤدي إلى حل واحد لكل
المشاكل في الغالب، إذا توحدت العقيدة والمواقف فإنك تجد أن هناك أشياء لا
يمكن أن يتورط فيها سلفي، لما قامت ثورة الخميني عليه من الله ما يستحقه، تورط كثير من قادة العمل الإسلامي للأسف الشديد، وإلى الآن لا يستحون من مدح الخميني ويسمونه إمام المسلمين!
والسلفيون على غير تواطؤ منهم في شتى بقاع العالم لم يقعوا في هذه الزلة، لا يعرف أن سلفياً واحداً تورط في موالاة الخميني
ودولته الشيعية، هل هناك تواطؤ؟ وهل عملوا مؤتمراً ووحدوا فيه الموقف؟ لا،
إذا توحدت المفاهيم والأفكار والموازين ينشأ عنها تلقائياً توحد المواقف،
فالنجاة من النار بأن تكون على مثل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم
وأصحابه، وهؤلاء يلعنون أصحابه، ويكفرونهم، ويشتمون جميع أصحابه رضي الله
تعالى عنهم، فكيف تكون النجاة سالمةً مع هؤلاء المجرمين؟
هذه قضية كبيرة، لكن نقول باختصار شديد: التجميع العاطفي هو إضافة أمراض
إلى أمراض الأمة، وتضليل للأمة، والتجميع الصحيح هو قوله صلى الله عليه
وسلم: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وهذا هو الحل الصحيح لهذه المشكلة.
|
|
|
|
|
هناك قواعد مضادة للسلفية يتحاكم إليها بعض الناس ينبغي التحذير منها، من هذه القواعد:
تقديم العقل على النقل.
وقولهم: منهج السلف أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم، ومعناه: أن الخلف أعلم من
السلف، وحجتهم في ذلك: أن الخلف ألفوا مئات المجلدات، والسلف ما ألفوا،
ويظنون أن كثرة الكلام تدل على كثرة العلم، وهذا جهل، وقد تصدى لبيان هذا
الأمر الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه: فضل علم السلف على الخلف.
ومن هذه القواعد قول البوطي : السلفية فترة زمنية مباركة، وهذا ضلال، لا، السلفية ليست فترة زمنية مباركة، السلفية منهج شامل وممتد إلى آخر الزمان: (لا تزال طائفة من أمتي) أي: باستمرار.
وتوجد عبارة يقولها بعض الإخوة الأفاضل، وينبغي التحرز منها وهي قولهم:
سلفية المنهج عصرية المواجهة، السلفية ينبغي ألا تعطى بعداً زمنياً، ونحن
نتسلح بقواعد المنهج السلفي، ونتعامل مع كل المتغيرات ومع كل العصور، بمعنى
آخر: نتعامل مع المستجدات بالأسلوب الذي كان سيتعامل به الصحابة وأئمة
السلف لو عاشوا في عصرنا.
وهذه قاعدة يساء تطبيقها: (من لم يكفر الكافر فهو كافر)، فيستعملها بعض
الخوارج الجدد لإرغامك على أن تتبنى تكفير المسلمين، ولا يطبقونها في
موضعها الصحيح.
يبقى الكلام على مجدد القرن الثاني عشر الهجري شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وأعلام السلفية في العصر الحديث كالشيخ محمود شكري الألوسي و القاسمي والشيخ محمد بهجت البيطار والإمام عبد الحميد بن باديس والعلامة أحمد شاكر والشيخ محمد حامد الفقي والدكتور هراس والشيخ عبد الرزاق عفيفي وهناك كثير من العلماء المعاصرين معلومون لدينا جمعياً.
أيضاً هناك بحث حول السلفية في مواجهة التحديات، والصراعات في شتى أحقاب التاريخ بين السلفيين ومخالفيهم، وهذا موضوع طويل.
وهناك مناقشة للموقف من العلماء الذين أولوا بعض الصفات أو خالفوا المنهج
السلفي في بعض القضايا، هذه المسائل نرجو إن شاء الله أن نبينها فيما بعد.
|
|
|
|
هل نحن سلفيون حقاً؟ قد عرضنا بحسب الاستطاعة، ولكن نحن مطالبون
بالنقد الذاتي حتى لا نظلم السلفية ونسيء إليها، وعلينا أن نراجع أنفسنا
كثيراً جداً، والآن ينتشر إهمال دارسة التوحيد، وإهمال ضبط ضوابط العقيدة
السلفية، وقد حصل من إهمال العقيدة نفسها نتوءات موجودة في بعض السلفيين
ومنها:
تطاول البعض على الأئمة والعلماء، وادعاء أن هذا من ملامح السلفية.
تسرب المظاهر الحزبية العصبية الجاهلية في التعامل مع الآخرين، بل وظهور التحزب.
عدم التثبت في النقل، ولا بد من احترام المنهج السلفي في كثير من
الاتهامات، والتشنيع على كثير من الدعاة ما حصل إلا بسبب عدم احترام
المشنعين للمنهج السلفي الذي ينتمون إليه، فالتحقق والتثبت في النقل قل
التورع فيه عند كثير من الدعاة.
كذلك موضوع الجدل والمراء، والتنطع بكثرة الأسئلة، وتشديق الكلام، فهذا كله
يخالف المنهج السلفي، وغير ذلك من الأشياء التي نرجو إن شاء الله تعالى
فيما بعد أن نفصلها.
|
|
|
|
نختم الحديث عن أبرز أعلام السلفية بعد الإمام أحمد ، ونحن نحتاج إلى دراسة تراجم للأئمة السلفية، وبالذات المحطات الرئيسية، مثل أحمد بن حنبل . . ابن تيمية . . محمد بن عبد الوهاب . . لكن ابن تيمية أنا أسميه: رجل كل العصور، وشيخ الإسلام ابن تيمية يعتبر نادرة الزمان في الحقيقة، وهو باعث النهضة السلفية، ومجدد الدين بلا نزاع رحمه الله تعالى، شيخ الإسلام
ترك آثاراً في كل العصور التي جاءت بعده إلى اليوم، وكثير من القضايا
الدعوية والعلمية في شتى مجالات المعرفة الإسلامية نحتاج فيها إلى أن نغترف
من مائدة شيخ الإسلام
ونقتبس من أنوار كلماته، وهي قضايا معاصرة كثيرة جداً مثل: قضية الحزبية
الجاهلية، وقضايا تصنيف الناس، وقضايا البرلمانات، وقضايا العمل الجماعي
يعني: قضايا كثيرة جداً من القضايا الحيوية والواقعية، ونتعامل مع كتب شيخ الإسلام كأنه يعيش معنا في نفس الواقع، ونستفيد جداً من كتبه، أنا أقتبس عبارة قالها الأستاذ مالك بن نبي المفكر الجزائري المعروف رحمه الله تعالى، عبارة لو أنصف الناس لانتبهوا لها جيداً يقول: اجتهاد ابن تيمية وتراثه يمثل الترسانة الفكرية التي لا زالت تمد الحركات الإصلاحية بالأفكار النموذجية إلى اليوم.
|
|
ممن حثوا على الاحتفال بتراث شيخ الإسلام ابن تيمية الشيخ عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي
المعروف بابن شيخ الحزاميين رحمه الله تعالى، فهذه بعض العبارات التي
يقولها في هذه الرسالة: إلى فلان وفلان وفلان وغيرهم من اللائذين بحضرة
شيخهم، وشيخنا السيد إمام الأمة الهمام، محيي السنة، وقامع البدعة، ناصر
الحديث، مفتي الفرق، الفائق عن الحقائق وموصلها بالأصول الشرعية للطالب
الذائق، الجامع بين الظاهر والباطن، فهو يقضي بالحق ظاهراً وقلبه في العلا
قاطن، أنموذج الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين غابت عن القلوب
سيرهم، ونسيت الأمة حذوهم، فذكرهم بها الشيخ، فكان لدارس نهجهم سالكاً،
ولموات حذوهم محيياً، ولأعنة قواعدهم مالكاً، الشيخ الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله تعالى.
وابن تيمية نشأ في بيت علم، أبوه وجده أئمة، وجده هوالمجد بن عبد السلام يقولون فيه: كان إماماً جليلاً، وكان نجماً لكنه لم يظهر بسبب نور الشمس وضوء القمر، نور الشمس يعني: حفيده شيخ الإسلام ، وضوء القمر والد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى؛ لأن شيخ الإسلام سطع نوره بحيث غطى على أبيه وجده رحمهم الله تعالى أجمعين.
ثم يقول مخاطباً السلفيين في عصره: واعلموا أيدكم الله -وهو من تلامذة شيخ الإسلام
- أنه يجب عليكم أن تشكروا ربكم تعالى في هذا العصر، حيث جعلكم بين جميع
أهل هذا العصر كالشامة البيضاء في الحيوان الأسود، لكن من لم يسافر إلى
الأقطار، ولم يتعرف أحوال الناس، لا يدري قدر ما هو فيه من العافية، فأنتم
إن شاء الله تعالى في حق هذه الأمة الأولى، كما قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وكما قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41]،
أصبحتم تحت سنجق -يعني: لواء وراية- رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء
الله تعالى، مع شيخكم وإمامكم، وشيخنا وإمامنا، فقد تميزتم عن جميع أهل
الأرض -فقهائها وفقرائها، وصوفيتها وعوامها- بالدين الصحيح.
ثم ظل يسرد الفروق بينهم وبين هذه الطوائف التي ذكرها في كلام رائع جداً في
الحقيقة فقال: ثم اعرفوا -إخواني- حق ما أنعم الله عليكم من قيامكم بذلك،
واعرفوا طريقكم إلى ذلك، واشكروا الله تعالى عليه، وهو أن الله أقام لكم
ولنا في هذا العصر مثل سيدنا الشيخ الذي فتح الله به أقفال القلوب، وكشف به
عن البصائر عمى الشبهات، وحيرة الضلالة، حيث تاه العقل بين هذه الفرق، ولم
يهتد إلى حقيقة دين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أن يقول أيضاً:
فاشكروا الله الذي أقام لكم في رأس السبعمائة من الهجرة من يبين لكم أعلام
دينكم وهداكم الله به وإيانا إلى نهج شريعته، وبين لكم بهذا النور المحمدي
ضلالات العباد وانحرافتهم . . إلى آخره.
ثم يقول: ثم إذا علمتم ذلك فاعرفوا حق هذا الرجل -الذي هو بين أظهركم-
وقدره، ولا يعرف حقه وقدره إلا من عرف دين الرسول صلى الله عليه وسلم وحقه
وقدره، فمن وقع دين الرسول صلى الله عليه وسلم من قلبه بموقع يستحقه عرف حق
ما قام به هذا الرجل بين أظهر عباد الله، يقوم معوجهم، ويصلح فسادهم، ويلم
شعثهم جهد إمكانه في الزمان المظلم الذي انحرف فيه الدين، وجهلت السنن،
وعهدت البدع، وصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والقابض على دينه
كالقابض على الجمر، فإن أجر من قام بإظهار هذا النور في هذه الظلمات لا
يوصف، وخطره لا يعرف.
ثم يقول: فالله الله في حفظ الأدب معه، والانفعال لأوامره، وحفظ حرماته في
الغيب والشهادة، وحب من أحبه، ومجانبة من أبغضه وتنقصه، ورد غيبته
والانتصار له في الحق.
ثم يقول أيضاً في شيخ الإسلام
: واعلموا -رحمكم الله- أن هنا من سافر إلى الأقاليم، وعرف الناس
وأذواقهم، وأشرف على غالب أحوالهم، فوالله ثم والله لم ير تحت أديم السماء
مثل شيخكم علماً وعملاً، وحالاً وخلقاً، واتباعاً، وكرماً وحلماً في حق
نفسه، وقياماً في حق الله عند انتهاك حرماته، أصدق الناس عقداً، وأصحهم
عزماً، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همة، وأسخاهم كفاً، وأكملهم
اتباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم، ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلى النبوة
المحمدية وسنتها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل، بحيث يشهد القلب الصحيح
أن هذا هو الاتباع حقيقةً، إذا علمتم ذلك -أيدكم الله تعالى- فاحفظوا
قلبه، فإن مثل هذا قد يدعى عظيماً في ملكوت السماء، واعملوا على رضاه بكل
ممكن، واستجلبوا وده لكم وحبه إياكم بمهما قدرتم عليه، فإن مثل هذا يكون
شهيداً، والشهداء في العصر تبع لمثله.
ثم يقول أيضاً: فإني أستخير الله تعالى، وأجتهد رأيي في مثل هذا الرجل
وأقول انتصاراً لمن ينصر دين الله بين أعداء الله في رأس السبعمائة، فإن
نصرة مثل هذا الرجل واجبة على كل مؤمن كما قال ورقة بن نوفل : لئن أدركني يومك لأنصرنك نصراً مؤزراً.
|
|
|
ابن القيم نفسه رحمه الله تعالى ما هو إلا شعاع من نور ابن تيمية ، وإلا فأشعة شيخ الإسلام كثيرة كـابن القيم و ابن عبد الهادي و ابن كثير و الذهبي وغيرهم من الأئمة، كلهم أشعة من نور شيخ الإسلام، وقد حكى ابن القيم قصته مع شيخه في شعره المشهور فقال:
يا قوم بالله العظيم نصيحةً من مشفق وأخ لكم معوان
جربت هذا كله ووقعت في تلك الشباك وكنت ذا طيران
حتى أتاح لي الإله بفضله من ليس تجزيه يدي ولساني
حبراً أتى من أرض حران فيا أهلاً بمن قد جاء من حران
أخذت يداه يدي وسار فلم يلن حتى أراني مطلع الإيمان
وأبصرت أسوار المدينة حولها نزل الهدى وعساكر القرآن
وأبصرت آثاراً عظيماً شأنها محجوبةً عن زمرة العميان
إلى آخر كلامه في النونية المعروفة.
|
|
|
آخر شيء نختم به الكلام هذه الرسالة القيمة، وهي عبارة عن قطعة من مكتوب الشيخ الإمام الزاهد شهاب الدين أحمد بن مري الحنبلي أحد تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية كتبه إلى حنابلة دمشق يعزيهم بالمصاب بعد وفاة الشيخ، ويوصيهم بنسخ تآليفه من المسودات والاحتفاظ بها، وبمراجعة الإمام ابن القيم ، ويبشرهم بالعاقبة الحسنة، ويذكرهم بأخلاق الشيخ عليه الرحمة والرضوان.
وقد تعجبت من فراسة هذا الرجل، لما بلغه موت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أرسل يعزي أصحاب الشيخ رحمه الله تعالى، وعلى رأسهم ابن القيم في المصيبة الجلل التي وقعت بوفاة شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وأوصاهم وقال عبارات هي في غاية الروعة.
فيقول مثلاً: وكما انتفع بكلام الأئمة قبله، فكذلك ينتفع بكلامه ممن بعده إن شاء الله تعالى، أي: كما أن ابن تيمية أسس مذهبه على اتباع الأئمة الماضين فسوف يكافئه الله بأن يجعله إماماً يقتدي به من يأتي بعده.
تعرفون أن الدعوة الوهابية ما هي إلا صدى تطبيقي لدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وأنتم تعرفون الآن الاهتمام العجيب بتراث شيخ الإسلام ابن تيمية مما يدل على أن هذا بركة إخلاصه والقبول الذي وضع لعلمه رحمه الله تعالى، رغم الحرب الضروس التي حوربت به مؤلفات شيخ الإسلام ؛ حتى إن الأمير عبد القادر الجزائري هذا كان أخذ على نفسه أن يستأصل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وكان يبحث عن كتب شيخ الإسلام ، فمن كان عنده شيء منها أحرقه، ولعلكم تعرفون أن شارح الطحاوية أبهم اسمه، وكتاب: غاية الأماني في الرد على النبهاني طبع بغير اسم المؤلف محمود شكري الألوسي ؛ لشدة الاضطهاد الذي كان يمارس في زمن الدولة العثمانية لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والعجيب أنه إلى اليوم يوجد في تركيا مراكز تنشر كتباً ومطبوعات توزعها مجاناً، وبعض هذه الكتب تشتم شيخ الإسلام
، وتشتم الدعوة الوهابية بطريقة مضحكة، إلى الآن تركيا التي وصلت إلى ما
وصلت إليه ما زالت بعض الهيئات هناك تقوم بمحاربة الدعوة السلفية.
فالشيخ محمود شكري الألوسي أبهم اسمه خوفاً من الاضطهاد الذي كان سيتعرض له لو جهر باسمه على أنه سلفي؛ كذلك شرح الطحاوية لـابن أبي العز بقي الكتاب مدة كبيرة لا يعرف مؤلفه؛وعلة ذلك أن السلفيين كانوا مضطهدين في ذلك الزمن.
فانظر سبحان الله! كيف مرت العصور والأجيال، وها نحن اليوم نشاهد الأمة تنتفع الآن بتراث شيخ الإسلام .
ثم يقول: ووالله -وتأملوا هذه العبارة العجيبة- إن شاء الله ليقيمن الله
سبحانه وتعالى لنصر هذا الكلام ونشره، وتدوينه وتفهمه، واستخراج مقاصده،
واستحسان عجائبه رجالاً هم إلى الآن في أصلاب آبائهم! وهذه هي سنة الله
الجارية في عباده وبلاده، والذي وقع من هذه الأمور في الكون لا يحصي عدده
غير الله تعالى، ومن المعلوم أن البخاري مع جلالة قدره أخرج طريداً ثم مات بعد ذلك غريباً، وعوضه الله سبحانه عن ذلك بما كان لا يخطر في بال، وشيخ الإسلام مات وهو في السجن، والدولة كانت ضده، لكن انظر إلى احتفال الأمة به وبتراثه. وقد ذكر هنا أن البخاري
طرد ومات غريباً رحمه الله تعالى، وعوضه الله سبحانه وتعالى عن ذلك بما لا
خطر في باله ولا مر في خياله، من عكوف الهمم على كتابه، وشدة احتفالها به،
وترجيحها له على جميع كتب السنن؛ وذلك لكمال صحته، وعظمة قدره، وحسن
ترتيبه وجمعه، وجميل نية مؤلفه، وغير ذلك من الأسباب، ونحن نرجو أن يكون
لمؤلفات شيخنا أبي العباس
من هذه الوراثة الصالحة نصيب كثير إن شاء الله تعالى؛ لأنه كان بنى جملة
أموره على الكتاب والسنة، ونصوص أئمة سلف الأمة، وكان يقصد تحرير الصحة بكل
جهده، ويدفع الباطل بكل ما يقدر عليه، لا يهاب مخالفة أحد من الناس في
نصرة هذه الطريقة، وتبيين هذه الحقيقة، وتسهيل العبارات، وجمع أشتات
المتفرقات، والنطق في مضايق الأبواب بحقائق فصل الخطاب ما ليس لأكثر
المصنفين في أبواب مسائل أصول الدين وغيرها من مسائل المحققين.
يقول: فكانت مقاصده وتحقيقاته في هذا الباب العظيم عجباً من عجائب الوجود.
ثم يوصيهم بشيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى فيقول لهم: تلميذه ابن القيم حافظوا عليه، هو أعلم الناس بعلم شيخ الإسلام.
ولو قرأتم الرسالة فهي شيء عجيب يقول لهم: انتبهوا! كتاب شيخ الإسلام
في الفلسفة كتاب لا نظير له في الرد على الفلاسفة، توجد منه نسخة عند
الشيخ فلان، وناقصة منها الورقة الأخيرة، فابحثوا عنها في المكان الفلاني،
يعني: كان يعطيهم تعليمات على الرغم من البعد، ويبين لهم كيف يحصلون على
هذا التراث لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ثم يوصيهم بـابن القيم وكنيته أبو عبد الله يقول: والشيخ أبو عبد الله
سلمه الله فهو بلا تردد واسطة نظام هذا الأمر العظيم فأعدوه، وأزيلوا
ضرورته، واجمعوا همته، واغتنموا بقية حياته، واقبلوا نصيحتي فيمن الحقيقة
من هذا كله كما كنت أتحقق، إن اغتنام أوقات الشيخ وجمعها على التأليف
والإتقان والمقابلة خير من صرفها في مجرد المفاكهة اللذيذة والمنادمة،
النفوس فرطت كثيراً في ذلك الحال، والله المسئول بأن يكفها مضرة كمال الفوت
الذي لا يعوض عنه بحال إنه رءوف رحيم جواد كريم؛ فإن يسر الله تعالى وأعان
على هذه الأمور العظيمة صارت إن شاء الله مؤلفات شيخنا ذخيرة صالحة
للإسلام وأهله، وخزانة عظيمة لمن يؤلف منها وينقل الطريقة السلفية على
قواعدها، ويستخرج ويختصر إلى آخر الدهر إن شاء الله تعالى؛ قال صلى الله
عليه وسلم: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعة الله).
فهو يقول لهم: حافظوا على تراث شيخ الإسلام
حتى تأتي أجيال فيما بعد تنتفع بهذا التراث؛ لأن الرسول قال: (لا يزال
الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعة الله) وقال صلى الله عليه
وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة)، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|
|
|