الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

السلفية منهج ملزم لكل مسلم 2

منهج أهل السنة والجماعة منهج قديم، لم يبتكر في عصر من العصور لا اسماً ولا رسماً، فتعلقه دائماً ملصق بما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله، وبما أجمع عليه سلف الأمة، وساروا عليه، ولهذا المنهج مزايا وخصائص ميزته عن سائر الفرق، وجعلته
دائم الثبات في كل العصور.


الحمد لله الذي جعل اتباع رسوله على محبته دليلاً، وأوضح طرق الهداية لمن شاء أن يتخذ إليه سبيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد مخلص لم يتخذ من دونه وكيلاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اختص أمته بأنه لا تزال فيها طائفة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ولو اجتمع الثقلان على حربهم قبيلاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير الناس هدياً وأقومهم قيلاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
سئل الإمام مالك
عن أهل السنة فقال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي ولا قدري ولا رافضي.
يقول الدكتور مصطفى حلمي حفظه الله تعالى: إن أهل السنة والجماعة هم الامتداد الطبيعي للمسلمين الأوائل الذين تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، ولا نستطيع أن نحدد لهم بداية نقف عندها كما نفعل مع باقي الفرق، والسؤال عن نشأة أهل السنة والجماعة سؤال ليس له موضع كما هو الحال إذا تساءلنا عن منشأ الفرق الأخرى، ولذلك الإمام اللالكائي رحمه الله تعالى افتتح كتابه القيم: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) بذكر أئمة السنة الذين ترسموا بالإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بذكر أبي بكر ، ثم الخلفاء الثلاثة بعد أبي بكر ، وبقية أهل العلم والدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى زمنه رحمه الله، وقد ذكر كثيراً من أئمة أهل السنة في معظم الأمصار الإسلامية.
وقال ابن سيرين : لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم، وبداية التميز بين أهل السنة وغيرهم هي الفتنة التي وقعت في آخر عهد عثمان رضي الله تعالى عنه.
إذاً: خلاصة الكلام في هذه النقطة: السؤال عن نشأة مذهب أهل السنة كما يسأل عن نشأة سائر الفرق لا مكان له ولا محل له؛ لأن مذهبهم هو مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، لكن السؤال ينبغي أن يوجه إلى بداية التسمي بهذا الاسم؛ لا نشأة المسمى وهو المذهب وأهله، فمن الخطأ أن يخلط بين الأمرين، فبداية بروز الاسم غير بداية هذا المنهج.
فالأصل في التسمي بأهل السنة هو ما ورد من النصوص التي تأمرنا باتباع السنة وبلزوم الجماعة، فالتسمية مأثورة في السنة، وواردة في كلام السلف، أما بداية التسمي بهذا الاسم فهذا يعني أمراً آخر؛ لأن بعض الناس يخلط بين بداية التسمية وبين نشأة المسمى وهو المذهب وأهله، حتى رأينا من يتحدث عن السنة كأنها فرقة أو طائفة طارئة في الإسلام كسائر الفرق الأخرى التي انشقت عنها.
فمثلاً: الدكتور مصطفى الشكعا يزعم أن تسمية جمهرة المسلمين بأهل السنة تسمية متأخرة يرجع تاريخها إلى حوالى القرن السابع الهجري، أي: بعد الإمام أحمد بأربعة قرون؛ وهذا كلام لا يثبت أمام التحقيق العلمي كما بينا؛ وإنما كلما هبت أعاصير البدع تجلى وشاع التميز لأهل السنة بسبب جهود علمائهم في المنافحة عن هذه السنة، وهناك رسالة بعث بها إلى المأمون نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي يكتب تقريراً للمأمون يتكلم عن الإمام أحمد ومن معه، فيقول: ونسبوا أنفسهم إلى السنة أهل الحق والجماعة، فواضح أن الاصطلاح كان بارزاً جداً في تلك المرحلة.
والعلاقة بين كلمة (أهل السنة) وبين كلمة (الجماعة) كالعلاقة بين الإسلام والإيمان، يعني: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا؛ إذا ورد واحد منهما في النص فإنه يشمل المعنيين، وإذا اجتمعا في نص واحد افترقا، فيقال: أهل السنة والجماعة، فمعنى السنة: الاعتقاد الحق؛ والجماعة: أهل الاعتقاد الحق، فإذا قلت: الجماعة فقط، ففي هذه الحالة فإنها تجمع الاعتقاد الحق وأصحابه، وإذا قلت: السنة فقط، فإنها تجمع الاعتقاد الحق وأصحابه، فإذا اجتمعا معاً افترقا في المعنى، فدل كل لفظ على معناه الخاص به.


 من خصائص المنهج السلفي: شيوع الاستدلال بالآيات والأحاديث
من خصائص المنهج السلفي الضبط الدقيق للعلاقة بين العقل والنقل، وهذا بحث كبير جداً لا نستطيع أن نوفيه حقه، لكن هذه من خصائصهم على سبيل الاختصار: الضبط الدقيق للعلاقة بين العقل والنقل.
رفض التأويل الكلامي.
كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث.
يبين الدكتور الأشقر حفظه الله تعالى في كتابه: (العقيدة في الله) أن هذه الخصلة ينبغي أن تشيع وتنتشر بين السلفيين، وهي: موضوع شيوع الاستدلال بنصوص القرآن والسنة، فهي التي ترطب القلب: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] وتلينه من قساوته.
والحقيقة -وللأسف الشديد- أنه يشيع بين كثير من السلفيين مفهوم مؤلم جداً، وهو أنهم أحياناً ينزلقون إلى أساليب المتكلمين عند الاستدلال، يعني: نحن نذم الكلام والفلسفة ثم نكتب أحياناً بأساليب المتكلمين! ولعلكم تلاحظون هذا في بعض الكتب كشرح العقيدة الطحاوية، مثل مسألة التسلسل والدور ونحو هذا الكلام الكلامي الذي يتعذر على كثير من العقول فهمه؛ لأنه غير موافق للمنهج السلفي؛ وهذه الأساليب الكلامية الخالية من القرآن والسنة هي التي تجفف وتنشف القلوب، وهناك عبارة نطق بها بعض الدعاة -وهو ينتقد بعض كتب العقيدة- فقال: إن هذه النصوص فيها جفاف، ولا يمكن أن يظن بواحد من عوام المسلمين وجهلتهم أنه يقصد أن نصوص القرآن والسنة جافة، وأقل قدر من حسن الظن يقتضي أن تحمل هذه الكلمة على أنه لا يقصد القرآن والسنة، فإن هذا كفر، ولا تليق بعامي من عوام المسلمين، ولذلك بعض الناس أساءوا فهم هذه العبارة، وظلموا صاحبها ظلماً بيناً.
الذي يسبب الجفاف في القلب -وهو الذي نتكلم فيه- هو الوقوف مع ضوابط العقيدة، وتناولها بأسلوب كلامي متناقض تماماً مع منهج السلف، حتى إن بعض الدعاة أراد انتقاد السلفيين يوماً فكان مما قال: إن السلفيين يعتمدون في تناول العقيدة على علم الكلام؛ وذلك من كثرة ما شاع في الكتب من علم الكلام وأسلوب أهل الكلام في تناول قضايا العقيدة، حتى إن هذا الشخص الجاهل بحقيقة المنهج السلفي شنع على السلفيين بأنهم أهل كلام، فالسلفية تقوم أساساً على محاربة أهل الكلام والفلسفة، الإمام الشافعي رحمه الله يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر، وينادى: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة إلى ما عداهما أو كما قال رحمه الله.
فإذاً: السلفية تتميز بمحاربة علم الكلام، وتبديع أهله، وهجرهم وذمهم، والمشكلة أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كان يناظر هذه الفرق كلها، فاستلزم الأمر أن يقاتلهم بأسلحتهم في كثير جداً من الأحيان، فبعض السلفيين يأخذ من شيخ الإسلام مثل هذه الأساليب في حين أنهم ليسوا في وضع مثل وضع شيخ الإسلام ، حتى إن طلبة العلم الصغار يتدارسون هذه القواعد، وهذا خطأ، فهذه فرض كفاية على طائفة معينة من المتخصصين، أما أن نجعل الأصل هو تناول العقيدة بطريقة كلامية فهذا لا يمكن، وهذا هو الذي أحوج شرح الطحاوية إلى كثير من الاختصار لكي يحرر من هذه النصوص الجافة، ونعني بها أساليب علم الكلام التي تؤثر على قلوب الناس، والتي تقسي القلب وتجففه.
فالسلفية قائمة على نبذ الفلسفة، ونبذ علم الكلام، يقول بعض العلماء: يا أيها الرجل الذي هو جاهد في الفلسفة ماذا يروقك من تعلمها وأكثرها سفه فالفلسفة أو علم الكلام كلاهما مرفوض تماماً، ولا يجوز أبداً أن يسمى علم العقيدة أو مسائل الإيمان أو التوحيد بعلم الكلام، هذا نوع من العدوان، والشيخ الجديع في كتابه: العقيدة السلفية في كلام رب البرية له كلام رائع في الرد على من يسمون العقيدة بعلم الكلام.
 من خصائص المنهج السلفي: أنه وسط بين الفرق
من خصائص السلفية أنها المنهج الوسط بين الفرق، كما أن الإسلام وسط بين الأديان؛ في كل قضية من قضايا العقيدة تجد السلفية وسط، في قضايا الكفر والإيمان هم وسط بين إفراط الخوارج وتفريط المرجئة، في مسألة القضاء والقدر هم وسط بين المرجئة وبين القدرية، وهكذا في عامة قضايا الإيمان نجد أن مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب السلف وسط بين هؤلاء الفرق النارية، كما أن الإسلام وسط بين الأديان.
ومن هنا نضع تعريفاً للمتطرف؛ فالمتطرف: هو الذي يأخذ بأطراف الأمور، فيتطرف إلى الغلو أو الجفاء.
يقول الشاعر: كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفاً والخلاف في تعريف كلمة المتطرف ناشئ عن تحديد ما هو الوسط؟ نحن نقطع جزماً أن الوسطية والاعتدال هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الوسط، فكل من حاد عنه يمنةً أو يسرةً فهو متطرف، من حلق لحيته فهو متطرف؛ لأنه انحرف عن هديه عليه الصلاة والسلام، ومن صافح النساء فهو متطرف؛ لأنه خالف هدي النبي عليه الصلاة والسلام وأمره.
إذاً: المتطرف هو كل من ليس مسلماًَ من أهل السنة والجماعة، (كل من ليس مسلماً) يعني: كل يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بوذي، كل من ليس مسلماً فهو متطرف، فلا تصدقوا ما تسمعونه في نشرات الأخبار: قام بعض المتطرفين اليهود بفعل كذا وكذا، فكل يهودي متطرف؛ لأنه ليس من الأمة الوسط الذين هم أهل الاعتدال.
كذلك: كل مسلم ليس من أهل السنة والجماعة فهو أيضاً متطرف من حيث بعده عن منهج السلف.
يقول تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] قال ابن عباس : تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدع والافتراق، والآن كلما ازددت ارتباطاً بأصول السلف الصالح زاد حظك من وصف التطرف، فهذا هو التطرف عندهم! إن كان الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام تطرفاً فليشهد الثقلان بأني متطرف، إذا كان التمسك بالإسلام تطرفاً -قال تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ [الأعراف:170]- فنحن متطرفون قطعاً، لكن في الحقيقة المتطرف: هو من حاد عن الإسلام أو عن منهج أهل السنة والجماعة؛ لذلك كلما زاد ارتباطك بالأصول زاد قدر الأعداء، بعض الجماعات المتسيبة تفرح عندما يصفها بعض الصحفيين العلمانيين أو أعداء الإسلام بأنها جماعة معتدلة، وهذا الوصف منهم لا يشرف في الحقيقة، فيجب عليها أن تراجع منهجها، وتراجع أصولها، يغازلون هذا الجماعات بأنها معتدلة، فلماذا السلفيون -عندهم- متطرفون؟ لأنهم يتمسكون بالفهم الصحيح للإسلام.
السلفية هي دعوة العلم والبصيرة، موقف السلفية من العلم الصحيح مشهور، يهتمون بالتحقيق واتباع الدليل، وهذه القضايا كلها موقف السلفيين منها معروف ومشهور لا نفيض في ذكره.
 من خصائص المنهج السلفي: أنه عاصم من الحيرة والتلون
من خصائص السلفية ما يعبر عنه قوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108]، السلفية عاصمة من الحيرة والتلون، وهي سبب من أسباب الثبات على الدين، فالسلفي هو من حفظه الله سبحانه وتعالى وعصمه، ومن نشأ على المنهج السلفي فقد وفر كثيراً من عمره، أما غير السلفي فدائماً يتلون: كل يوم تتلون غير هذا بك أجمل فالسلفي الحق لا يتلون، تعطيه السلفية نوعاً من الثبات، الثبات على المنهج، والوضوح في الانتماء، فطريق السلفية غالباً طريق في اتجاه واحد، قد يرتد بعض الناس لا عن السلفية فقط لكن عن الإسلام كله والعياذ بالله! هذا وارد، لكن القاعدة أنه طريق ذو اتجاه واحد، من مشى فيه لا يرجع إلى الوراء، مثال ذلك: ما جاء في حديث هرقل لما قال لـأبي سفيان : (وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، قال هرقل : وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب).
ولذلك لا تجدون أبداً عالماً سلفياً يرتد ويرجع إلى الأشعرية أو الاعتزال أو مذهب الخوارج أو غيره، لكن نجد كثيراً جداً من رءوس هذه الفرق يهديهم الله سبحانه وتعالى إلى الحق، ويلحقون بقافلة السلفيين، والأمثلة كثيرة جداً، وأشهرها على الإطلاق الإمام أبو الحسن الأشعري الذي مر بمرحلة الاعتزال، ثم مرحلة التأويل -وهو المذهب الشائع الآن- ثم بمرحلة التزام المنهج السلفي.
ووالد إمام الحرمين عبد الله بن يوسف أبو محمد الواسطي الشافعي ألف رسالة يقول فيها: كنت برهة من الدهر متحيراً في مسألة الصفات والفوقية والكلام في القرآن الكريم، وكنت متحيراً في كذا وكذا، وحكى رحلته مع المنهج، وأنه كان في حيرة وتردد وصراع نفسي ما بين هذا الكلام الذي تعلمه في هذا المذهب غير السلفي وبين نصوص القرآن والسنة، إلى أن هداه الله سبحانه وتعالى، وصار من أئمة أهل السنة، وله رسالة ينصح الناس فيها ويدعوهم إلى مذهب السلف.
ويوجد كتاب: التذكرة والاعتبار والانتصار للأبرار، ألفه الشيخ الإمام عماد الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم الواسطي وفي كتاب آخر غير هذا الكتاب حكى فيه قصة اهتدائه على يد شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو كلام في غاية الروعة في الحقيقة.
هذه النماذج تدل على أن السلفية عصمة من الحيرة والتلون، فالذي ينشأ على المنهج السلفي لا يتلون، بينما تجد جماعة التكفير والخوارج الجدد، يتنقل أحدهم من فرقة إلى فرقة، والفرقة يحصل فيها انشطارات داخلية، فتنقسم الفرقة الواحدة إلى فرقتين، ويكفر بعضهم بعضاً، وقد يقاتل بعضهم بعضاً! وهكذا.
فمن طبيعة المنهج السلفي أنه يجمع، فهذا من خواصه الكامنة فيه، فالمنهج السلفي منهج تجميع، ولذلك دائماً تقترن السنة بالجماعة (أهل السنة والجماعة) السنة في مقابلة أهل البدع، والجماعة في مقابلة الافتراق، الحق واحد، أما الباطل فكثير، والقرآن دائماً يأتي بالنور مفرداً وبالظلمات جمعاً، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً -ثم ذكر العلاج- فعليكم بسنتي)، فالسنة هي علاج الفرقة.
وهنا تجربة واحدة أشير إليها باختصار، وهي تجربة الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى وعفا عنه: الإمام الغزالي تجول في كثير من المناهج المنحرفة والضالة، أمضى معظم عمره في التجول والبحث عن الحق في هذه الفرق، وللأسف الشديد لم ينتبه إلى منهج النجاة الحقيقي -وهو منهج أهل السنة والجماعة والمنهج السلفي- إلا في آخر عمره، وحاول أن يكفر عما مضى بأن ينهل ما استطاع من القرآن والسنة، حتى أنه مات وصحيح الإمام البخاري على صدره! فالإمام الغزالي يعتبر تجربة فريدة تستحق أن تدرس؛ ليتبين فضيلة المنهج السلفي، وكيف أن من أراد الله به خيراً يئول حاله في النهاية إلى الندم على ما مضى، وإلى الانتقال إلى المذهب السلفي، ومن الرسائل التي تناولت تجربة الغزالي كتاب الأخ عبد الرحمن دمشقية : أبو حامد الغزالي وكتابه إحياء علوم الدين، أو أبو حامد الغزالي والتصوف، وهذه الرسالة سبق أن درسناها منذ زمن.
وهذه مقارنة بين الغزالي و ابن تيمية كتبها رجل هو من أخبر الناس بتراث ابن تيمية وهو الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله تعالى، يقول: لا شك أن الغزالي و ابن تيمية من أكبر علماء هذه الأمة، وهما من الرجال الذين ملئوا الدنيا، وشغلوا الناس، فقد أحب كلاً منهما فريق من المسلمين، حتى وصلوا في محبته إلى درجة التعصب، والواقع أنني لا أقصد بالمقارنة بين شخصية وآراء الرجلين مجرد المتعة الذهنية، بل إنني أقصد بذلك الموازنة والمفاضلة بين أكبر تيارين فكريين يؤثران على المسلمين حتى أيامنا هذه، فـالغزالي يمثل التيار الأشعري الصوفي، و ابن تيمية يمثل التيار السني السلفي، ولكل من التيارين أنصاره ورجاله، إلى أن يقول الدكتور رحمه الله تعالى عبارة قوية جداً يقول: ولن أحاول أن أدعي حيازاً كاذباً بين الاتجاهين، بل إنني أحدد موقفي بوضوح فأقول: إنني أعتقد أن نهضة المسلمين وانبعاثهم من رقدتهم وغفوتهم إنما تتوقف إلى حد كبير على مدى أخذهم بهذا التيار السلفي السني، أخذاً قائماً على الفهم والدراسة والعلم والعمل بالعلم، لا أخذاً قائماً على التعصب الفارغ والحماسة العاطفية.
ثم يختم بنصيحة رائعة جداً يقول: فليحرص المسلمون على بداية أبنائهم، وتنقية ثقافة شبابهم؛ حتى نعود إلى أصالتنا، ونتحرر من الآثار المدمرة للغزو الفكري الدخيل القديم والحديث.
انظر إلى كلمة: (على بداية أبنائهم) فهو ينبه على أن البداية مهمة جداً، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن يقيض لك أهل السنة والجماعة عند نقطة البداية.
ونماذج الحيرة والتلون بسبب البعد عن المنهج السلفي كثيرة، وكثير من أهل الكلام كـالرازي و الجويني وعامة علماء الكلام ندموا بعدما أنفقوا عمرهم في لا شيء.
الدكتور محمد خليل هراس رحمه الله تعالى -وهو من أفاضل علماء السلفيين المعاصرين، ومن علماء أنصار السنة- كان له قصة مع السلفية، فهو أراد أن يقدم دراسة عليا ينتقد فيها شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال له أستاذه: ما وجدت أحداً أعفش -هذه عبارته- من ابن تيمية حتى تقدم فيه دراسة؟ قال له: أنا أعمل دراسة حتى أبين عفاشته! وأنا لا أدري هل هي كلمة فصيحة أم لا؟! لكن هذا هو اللفظ الذي سمعته، فذهب إلى الشيخ محمد منير آغا الدمشقي رحمه الله تعالى، وكان عالماً سلفياً، وكانت عنده مكتبة قيمة جداً، فشرح له مراده، فالشيخ محمد منير آغا تلطف بالدكتور خليل هراس رحمه الله، وما اشتد عليه، مع أنه قال: أنا أريد أن أبين عورات منهج ابن تيمية، وكان عنده فراسة وبصيرة، فماذا فعل؟ وفر للدكتور خليل هراس رحمه الله تعالى كتب شيخ الإسلام فأخذ ينهل منها وينهل، وإذا به ينتهي بالبحث المشهور المتداول الذي اسمه: ابن تيمية السلفي، وقد كان عنوان بحثه: ابن تيمية ليس سلفياً، فتحولت الرسالة إلى: ابن تيمية السلفي، فأصبح مدافعاً عن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
 من خصائص المنهج السلفي: أنه يحتكر مهمة تجديد الدين
من خصائص السلفية: أن السلفية تحتكر مهمة تجديد الدين، لا يمكن أبداً أن يكون شخص يصدق عليه وصف مجدد وهو خارج من أهل السنة والجماعة، يشترط في المجدد أن يكون منتمياً إلى المنهج السلفي، وإلى منهج أهل السنة والجماعة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)؛ لأنه إذا لم يكن المجدد من أهل السنة والجماعة فماذا سيجدد؟ لو كان المجدد خارجياً -مثلاً- فإنه سيضيع الدين، فمن شروط المجدد أن يكون ممتثلاً دعاء المؤمنين: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74] اجعلنا نقتدي بمن قبلنا فنصلح لأن يقتدي بنا من بعدنا.
عندما نتكلم عن معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكثر الكلام على معجزة هي من أقوى معجزاته عليه الصلاة والسلام، وهي آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في البشرية، فقد أحيا أمةً ميتة، وأخرجها من الهوان والذل والجهل إلى أن صيرها خير أمة أخرجت للناس.
 المنهج السلفي طريق عزة المسلمين
قال النبي عليه السلام: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) فالعز مرتبط بالرجوع إلى الدين.
وتعلمون قصة عمر لما ذهب إلى بيت المقدس، فاستقبله أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، ولما اقترب عمر من بحيرة صغيرة نزل عن الناقة وخلع نعليه ووضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام الناقة وخاض في الماء فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين! أنت تفعل هكذا؟! ما يسرني أن أهل الشام وبطارقة الشام استقبلوك، فقال رضي الله عنه: أوه! لو قال ذا غيرك يا أبا عبيدة لجعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم! وفي هذا فائدة: وهي مراعاة أقدار الرجال، قال: لو قال ذا غيرك لجعلته نكالاً، لكنه لم يفعل مراعاة لقدر أمين الأمة أبي عبيدة بن الجراح: قال: أوه! لو قال ذا غيرك يا أبا عبيدة لجعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، جملة شرطية وهي من صيغ العموم، مهما نبتغي العزة في غيره أذلنا الله، والله سبحانه وتعالى يقول: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10]، فما دمنا نكفر بنعمة الله فإننا سنعود إلى ما كنا عليه أذل قوم، حتى إن أخبث خلق الله وأرذل خلق الله -وهم اليهود لعنهم الله- يذلوننا هذا الذل، ولا مخرج لنا منه إلا بالعودة إلى التماس العزة في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، إن الباطل قد يعلو لكنه علو الزبد والاستكبار، قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ [الرعد:17].
قال عليه الصلاة والسلام: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) وهذا أوضح دليل على أن التمكين لا يقع إلا بهذا المنهج، وتأملوا القضية! ليست قضية إقامة دولة، فهناك دولة تدعي زوراً أنها جمهورية إسلامية -وهي إيران- ولكنها وبال على الإسلام والمسلمين، وهناك صراع الآن يجري في أفغانستان بين هذه الفصائل المعروفة في أفغانستان، يقتل ويدمر بعضهم بعضاً كالوحوش الضارية ولا حول ولا قوة إلا بالله! وتأملوا موقفهم! ماذا كان موقفهم من العقيدة السلفية؟ قتل الشيخ جميل الرحمن بسبب منهجه السلفي، فهل هؤلاء يصلحون لأن يكونوا دولة إسلامية؟ لا بد أن يبنى البناء على أساس العقيدة والفهم الصحيح؛ الإمام مالك يقول: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: لم يظهر دين محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من الأديان إلا بأهل السنة، فالصحابة جاهدوا وانتشروا في آفاق الأرض ينشرون نور الله سبحانه وتعالى في ربوع العالمين، وأحسنوا إلى البشرية هذا الإحسان.
إذاً: كلمة الله هي المتمثلة في المنهج السلفي أحسن تمثل، ونحن لسنا الذين نرفعها، إنما نحن نرتفع بها؛ نحن نرتفع بهذا المنهج، وإذا سلكناه فإننا نكون مستحقين للتمكين الذي وعده الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، فكلمة الله لا يرفعها البشر؛ لأن كلمة الله مرفوعة على كل حال، ولذلك قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33]؛ ويقول في الآية الأخرى: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى [التوبة:40] وإعراب: (السفلى) يكون مفعولاً به ثاني، والمفعول الأول (كلمة)، هذا في قوله: (وجعل كلمة) أما قوله: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا [التوبة:40] فهذا استئناف وليست معطوفة على ما قبلها وإلا لكانت منصوبة؛ لأن كلمة الله عليا في كل الأحوال، والباطل يرتفع مثلما يرتفع الزبد أو الفقاعات الهوائية على سطح الماء لفترة محدودة، لكن لا تلبث أن تتلاشى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ [الرعد:17]، الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلينا كي نرفع كلمته، لكننا نرتفع بكلمة الله، مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر:10].
فمنهج أهل السنة والجماعة هو الدواء الأمثل الذي يستطيع التعامل بنجاح مع الأجواء التي انتشرت في واقع المسلمين المعاصر تماماً كما فعل من قبلنا، فهذا الواقع الأليم ليس له حل إلا أن نرفع شعارين: الأول مع بعض التجوز: الإسلام هو الحل، الثاني: السلفية هي الحل.
وقد سبق أن بينا أن الإسلام وحده لا يكون هو الحل، فالإسلام هو قرآن وسنة بفهم سلف الأمة، فإذاً: هناك شعار آخر، وحتمية الحل السلفي ليست مسألة اختيار، ولكنها طريق متعينة للتمكين لدين الله سبحانه وتعالى في الأرض، وأهمية ذلك تكمن في النماذج التي نراها.
الدولة الشيعية في إيران دولة تدعي أنها إسلامية، وفيها شيء كثير من الأشياء الطيبة -إذا سمعت عن أحوالهم- لكنها على غير أساس من العقيدة الصحيحة، فهي وبال على الإسلام في الحقيقة، وهذا موضوع طويل وكبير جداً لا نستطيع أن نخوض فيه الآن، والأفغان ضيعوا منهاج النبوة، وانتشرت فيهم الشركيات، ولم يهتموا بتصحيح العقيدة، وحاربوا السلفيين الذين دعوهم إلى العقيدة، فكان ما كان وما نراه الآن من هذه المآسي.
وأقول أخيراً: المنهج الوحيد الذي قدر على أن يقيم دولة في هذه العصور المتأخرة، وهو المنهج الوحيد الذي قام على منهج السلف: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، والتي لا زالت أصداؤها وبركاتها إلى اليوم وإلى ما شاء الله سبحانه وتعالى تتردد في ربوع العالمين.
 من خصائص المنهج السلفي: أنه الميزان الحقيقي لكل الناس
من خصائص المنهج السلفي أنه الميزان لجميع الناس، البشر غير معصومين، وهم الذين يوزنون به، فليس لأحد الحق في أن يحتكر مفتاح الدخول إلى السلفية عن طريقه، كأن يقول لك: وافقني وتابعني وإلا فأنت كذا .
.
وأنت كذا .
.
من هذه الألقاب التي يتنابزون بها، ويكفي للتدليل على أصالة هذه القاعدة أن أعظم من خدم المنهج السلفي من بعد القرن السابع هو شيخ الإسلام ابن تيمية ، و ابن تيمية مع أنه أعظم من خدم هذا المنهج هو نفسه حوكم بالمنهج السلفي، فإذا افترضنا جدلاً صحة ما نسب إلى شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم من القول بفناء النار، فماذا كان موقف علماء السلف من هذه القضية؟ مع أن منهم من يقول: هو لم يقل ذلك؛ لأن هذا كلام في غاية الخطورة، ففيه خرق للإجماع، ومنهم من اعتذر عنه، ومنهم من أول كلامه بأنه يقصد فناء طبقة معينة من النار وهي طبقة عصاة الموحدين.
لكن هل يوجد أحد من علماء السلفيين وافق ابن تيمية لأنه ابن تيمية؟ لا نعرف هذا، فهذا يدل على أصالة هذا المنهج، وأن هذا المنهج هو الميزان، وأن السلفية لا تعرف صكوك غفران ولا بابيه، لا يوجد في السلفية: إن فلاناً هو باب إلى السلفية لا يمر إليها إلا من خلاله، ولا يتشرف بالمنهج أحد إلا إذا أعطاه الصك، فنحن لا نجزع إذا صدرت مخالفة أو اجتهاد خاطئ من بعض أعلام السلفية؛ لأننا نثق أن المنهج يعلو فوق الأشخاص، حتى إذا وجد خطأ من بعض من ينتسبون إلى السلفية فنكون مطمئنين تماماً؛ لأنه ما دامت الأرضية واحدة، والأصول التي يتحاكم إليها واحدة؛ فيسهل جداً حسم أمثال هذه القضايا.


تعتبر العقيدة قطب رحى المنهج السلفي، وهي المحور الذي تدور عليه، وهذا من أعظم مناقب المنهج السلفي على الإطلاق، وهو القيام بصيانة جناب التوحيد، وتعظيم قدره، والتصدي لجميع المظاهر الشركية، ولا يعرف أحد يهتم بالتوحيد كما يهتم به علماء السلفيين في كل العصور، ويصح فيهم العبارة التي قالها البعض: ليس التوحيد علماً ينتقل منه إلى غيره، ولكنه علم ينتقل معه إلى غيره.
فاهتمام السلفيين بقاعدة التوحيد، وإعطاء الأولوية المطلقة لدعوة التوحيد، هذا متوائم تماماً مع رسالة القرآن؛ لأن القرآن كله أمر بالتوحيد، والقرآن إما إخبار بالتوحيد، أو أمر بالتوحيد، أو تحذير من الشرك الذي يضاد التوحيد، أو بيان لدعوة الرسل للتوحيد، وموقف أممهم من التوحيد، وجزاء الذين يتبعون التوحيد، وجزاء الذين انحرفوا عن التوحيد، وحقوق التوحيد من الأحكام الفقهية والعبادة وغير ذلك، إذاً: كل القرآن في التوحيد.
وأيضاً السلفية تعتبر أعمق مظاهر التغيير العقدي، لا تحتقروا هذه الوظيفة، كونك تأخذ بيد شخص وتخرجه من عقيدة زائفة صوفية شركية باطلة إلى عقيدة السلف هذا إنجاز في غاية الخطورة، فبعض الناس إذا ذكرت عنده كلمة التغيير يصرفها إلى مفهوم الانقلابات، وإلى إقامة حكم إسلامي، ويحتقر كل ما عدا ذلك من التغيير، فأعمق صور التغيير هي تصحيح عقيدة الناس، وهي بلا شك من أعظم وأقدس الوظائف التي يقوم بها المنهج السلفي.
 الرد على من يزعم أن قضايا العقدية قضايا نظرية
بعض الناس يسمون قضايا العقيدة قضايا نظرية، ويقولون: مالكم تحيون معارك تاريخية عفا عليها الزمان، ونحتاج إلى توضيح هذه الشبهة.
أولاً: قولهم إنها قضايا نظرية.
نقول: كيف تكون قضايا نظرية والاعتقاد والتصديق أساساً هو عمل القلب؟! الله سبحانه وتعالى يقول: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225] فالقلب يكسب ويعمل، ويبغض ويحب، ويوالي ويعادي، فهذا كله عمل قلبي، وهو ركن من أركان العبادات القلبية، والعبادات القلبية أخطر من كل أنواع العبادات الأخرى، وكبائر القلب أخطر من كبائر الجوارح، فنقول: ليست كل القضايا العقدية هي عبارة عن ردود أفعال تجاه معارك تاريخية، لا، أنتم تعرفون أن أي مذهب شيوعي أو ماركسي له جانب نظري اعتقادي أو أكاديمي كما يقولون، ثم هناك جانب تطبيقي بعد ذلك، فلا يوجد مذهب إلا ويلزم أن يكون له ميثاق نظري يضبط أصوله وقواعده.
فكذلك هنا بالنسبة للمنهج السلفي أنت لا تستحق وصف الإيمان إلا إذا آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله سبحانه وتعالى، وهذا قول مجمل كما في حديث جبريل، وفسره القرآن والسنة، وأنت مطالب باستيعاب هذه النصوص بقدر استطاعتك حتى يصح وصفك بالإيمان.
فإذا تأملنا مثلاً أعظم آية في كتابة الله، هل سيسميها هؤلاء القوم آية نظرية لا داعي للاهتمام بها، مع ما لها من الفضائل؟ أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي، ليس فيها إلا صفات الله سبحانه وتعالى، نفي وإثبات، نفي النقص، وإثبات الكمال قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ .
.
[البقرة:255] إلى آخر الآية.
ما هي السورة التي هي تعادل ثلث القرآن؟ سورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن، ليس فيها إلا صفة الله سبحانه وتعالى، فالعقيدة ليست قضية نظرية، وهذا من جهل هؤلاء الناس الذين يزهدون في تعلم التوحيد بحجة أنها قضايا نظرية ينبغي الاشتغال بما وراءها.
ثانياً: إن الاهتمام بالقضايا العقدية إحياء لمعارك تاريخية.
نقول: نعم، إذا كانت الفرقة قد انقرضت، وقامت مساجلات ومعارك بين أهل البدع وبين علماء السلفيين فيما مضى، وانقرضت هذه الفرقة الآن؛ فعموم الناس وعموم طلبة العلم لا يحتاجون إلى الخوض وتجديد وإحياء معارك قديمة، لكن إذا كانت الانحرافات والضلالات والبدع الضالة سائدة وموجودة فيتعين على المسلم أن يتعلم ما يدفع به هذه الشبهات، فمثلاً: من خصائص السلفية صيانة التاريخ السلفي، وتحديد موقفنا مما شجر بين الصحابة كما هو منصوص عليه في متون الاعتقاد، فهل هذه قضية تاريخية؟ انظروا في كتب التاريخ التي تدرس لعامة الطلبة في المدارس، بكافة مراحلها، كيف تتناول الصحابة رضوان الله تعالى عنهم؟ كيف تتناول معاوية رضي الله عنه؟ كيف تتناول عمرو بن العاص ؟ عمرو بن العاص الذي له في عنقنا -أهل مصر- أعظم المنة، عمرو بن العاص الذي قيضه الله لأن ينقذنا من الكفر إلى الإيمان، ومن الظلمات إلى النور، عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه ماذا يقال عنه في كتب التاريخ؟ تجد فيها سب بعض الصحابة، وهذا موجود، فهل يقال: هذا إحياء لمعارك تاريخية؟! دولة الرافضة موقفها من الصحابة لا يخفى، ولابد من توعية حتى لا يلتبس الأمر على الشباب.
وهكذا قضية الاعتقاد في صفات الله، ما هو المذهب المعتمد الآن في مصر وفي كثير جداً من بلاد العالم الإسلامي؟ المذهب المعتمد هو منهج الأشاعرة أساساً، وفي بعض البلاد مذهب الماتريدية.
يوجد الآن في عمان وبقاع من الجزائر وليبيا مذهب الإباضية من الخوارج، فضلاً عن الفرق التي ظهرت كفرقة التكفير والهجرة أو الخوارج الجدد.
مذهب المعتزلة الآن منهج محترم تماماً، ويدرس منهجهم في الجامعة، ويتحدث عن أبطال المعتزلة، ومآثرهم في الإسلام وكذا وكذا!! وهذا موجود في كراسي الجامعة.
فإذاً: الضلالات منتشرة في الحقيقة، ونحن نحتاج إلى المناعة من هذه الضلالات، وليست القضية قضية إحياء قضايا تاريخية كما يزعم هؤلاء الناس.


هنا نقطة مهمة جداً، وهي تهتم ببذل النصيحة للسلفيين أسداها فضيلة الدكتور عمر الأشقر حفظه الله تعالى، وهي بعنوان: ضرورة التفريق بين العقيدة وبين ضوابطها، يقول الدكتور الأشقر حفظه الله تعالى: هنا أمر عظيم لا بد أن يتنبه إليه، ألا وهو الفارق بين العقيدة وبين القواعد والضوابط التي وضعها علماؤنا في تمييز معتقد أهل السنة حماية لهم من أن يلتمس بغيره، ومخافة أن يضل المسلمون في باب الاعتقاد، والاعتقاد: هو العلم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وقد تكفل الكتاب والسنة بتوضيح هذه الأصول توضيحاً ليس عنه بديل.
لا بد من أجل أن تدرس العقيدة وتكون مؤمناً مستحقاً لوصف الإيمان أن تعرف كيف تؤمن بالله؟ كيف تؤمن بأركان الإيمان الستة؟ أما ضوابط الاعتقاد: فهي تلك القواعد المنهجية التي تعصم صاحبها من الضلال في باب الاعتقاد، وقد وضع علماء أهل السنة والجماعة هذه القواعد في مقابل انحرافات الفرق الإسلامية في مجال الاعتقاد، فإن عامة المتون التي ألفت أو الكتب التي ألفت في شرح عقيدة أهل السنة والجماعة هي تدور حول قضايا أصول الدين في مقابلة الانحراف في هذه القضايا، وهي أحياناً لا تستوعب جميع القضايا، إنما فقط تخص القضايا التي تحقق اختلافاً في العقيدة، فيأتي بعقيدة أهل السنة والرد على البدع الضالة في نفس هذه العقيدة، فهذه الضوابط في غاية الأهمية لأنها تعصم من الانحراف في مجال الاعتقاد، وتحصن المسلم ضد تلك الانحرافات وذلك الضلال، فالعالم بهذه الضوابط يعرف كيف يرد على شبهات الخصوم ودحضها، وتحتاج دراستها إلى وقت طويل، لكن يقول الدكتور الأشقر : وأحب أن أقرر هنا أن هذه الضوابط والقواعد مع عظيم أهميتها لا يمكن أن توجد العقيدة الحية النابضة الدافعة إلى العمل والجهاد والمجاهدة، إن العقيدة التي ننشد إقرارها في أعماق النفوس وخفايا القلوب لا يمكن أن تبنيها القواعد الجافة، والضوابط المقننة، إن هذه الضوابط كالحائط الذي يوضع على حافة الطريق ليمنع السالكين من الخروج عن الجادة السوية، ولكن الحواجز التي تحجز السالكين عن الانحراف لا يمكن أن تمنح السالكين القوة الدافعة التي تجعلهم ينطلقون في مسارهم بالسرعة المطلوبة؛ إن الذي يوجد القوة الدافعة النابضة في أعماق النفوس لون آخر من العقيدة، وأعني بذلك العقيدة التي تقوم على العلم الذي يسوقه القرآن والسنة في الحديث عن الله وعظمته وقدرته، ورحمته وهدايته، وأفعاله في خلقه.
وهو نقل هذه المسألة عن السفاريني حيث يقول: فما ينبغي أن يعلم أن القواعد الكلامية ما رتبت هذا الترتيب وبوبت هذا الترتيب لتؤخذ منها الاعتقادات الإسلامية والقواعد الدينية، بل المقصود منها ليس إلا دفع شبه الخصوم، ودحض نهج أهل البدع والضلال.
ثم يقول الدكتور الأشقر : وإذا كان الأمر على ما بينت فإن مسايرة العاملين بالإسلام تحتاج إلى شيء من المراجعة والتدقيق، فليس العقائديون هم الذين يعلمون ضوابط العقيدة وحدها، ويعنون بها عنايةً كبيرة، ثم يظنون أنهم حققوا المطلوب، وأصبحوا الفئة المختارة المتميزة عن غيرها، إن معرفة الضوابط والعلم بها أمر ضروري ولكنه لا يكفي، والذي يجب أن تشغل به الجماعات ويشتغل به الأفراد شغلاً كبيراً هو بناء المعرفة الواسعة بالله، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر.
تعرفون مجموعة الدكتور الأشقر (العقيدة في ضوء الكتاب والسنة) هذه هي العقيدة، وبعض كتب التوحيد تفصل الاعتقاد مثل معارج القبول مثلاً، وبعض الكتب العقدية فيها بعض الزلل، وهي لا تكفي في استيعاب العقيدة التي تتفاعل مع الخلق كما قال تبارك وتعالى في شأن المؤمنين: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:26-27] فالإشفاق يحصل من التصديق الذي يترتب عن التأثر بهذه النصوص.


من خصائص السلفية سد ذرائع الشرك، والكلام في هذا طويل جداً.
كذلك: السلفية درع الأمة الواقي من الضلالات القديمة والمعاصرة، ومعروف كلام السلف في ذم أهل الهوى والبدع، وكيف حذروا منهم، وهذا موضوع مستقل، وهناك مواقف محددة للسلفية من هذه الفرق مثل الأشاعرة.
.
الماتريدية .
.
الشيعة .
.
الخوارج .
.
المعتزلة .
.
الصوفية وأيضاً الفرق المعاصرة.
كذلك من خصائص السلفية: التزكية التي هي وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ
[البقرة:129]، فالسلفية لا بد أن ينعكس فيها السلوك العملي، فنحن لا نجزئ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هدي محمد صلى الله عليه وسلم شامل في كل أحواله، في عقيدته .
.
في عبادته .
.
في جهاده .
.
في سلوكه، فالسلفية لها منهج شامل لكل نواحي الحياة.
عن عاصم بن عصام البيهقي قال: بت ليلةً عند أحمد بن حنبل فجاءني بماء فوضعه، فلما أصبح نظر إلى الماء بحاله، فقال: سبحان الله! رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل! هذا هو المنهج السلفي، فيحتاج الأمر للمقارنة بين منهج التزكية -تصفية النفوس وتزكيتها- عند أهل السنة الجماعة والصوفية، لكن نحيل إلى مصادر تتتبع أحوال السلف في جانب العبادة مثل كتاب حلية الأولياء وسير أعلام النبلاء.
كذلك من خصائص السلفية: الاتباع، فإن الاتباع هو ثمرة محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أمرنا به في القرآن، قال تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، فالسلفية موقفها معلوم من التقليد والمذهبية والاتباع، وجهود السلفية كبيرة في تطهير الأمة من أدران البدع بأنواعها، وبلا شك فإن السلفية أبعد الجماعات من البدع، وهذا أمر لا يجادل فيه أحد.
كذلك من خصائص السلفية: أنها علاج لمرض الفرقة، بل هي العلاج الوحيد الناجع لمرض الفرقة، ويكفي أنها دائماً تقترن بأهل السنة والجماعة، فالسلفية تجمع على الحق، وليست تجمعاً على حساب الحق، بعض الناس العاطفين يتألمون لفرقة المسلمين، لكنهم لا ينهجون منهجاً علمياً في التجميع، بل قد يكون تجمعهم على حساب الحق، يقول لك: نتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، فهل نعذر الشيعة في اعتقادهم بتحريف القرآن؟! هل نعذر الخوارج بتكفيرهم الصحابة؟ نقد هذه القاعدة موضوع مهم وكبير، ولكن كما قلنا: السلفية تجمع على الحق، التجمع شبه كلمة (الجماعة)، على الحق شبه كلمة (السنة)، فهم أهل السنة والجماعة، تجمعوا على الحق، وليس تجمعهم على حساب الحق.
يقول تعالى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [البقرة:137]؛ فإذا خرجنا عن المثلية وقعنا في الشقاق، ويقول: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ [آل عمران:103]، وقال عليه السلام لما أخبر بوقوع الفرقة: (فعليكم بسنتي) فهذا هو علاج الفرقة، (وإياكم ومحدثات الأمور!) فالبدع تفرق كما ذكرنا.
 منهج السلف هو المنهج الوحيد الذي يتبنى مبدأ إصلاح ذات البين
منهج أهل السنة والجماعة هو المنهج الوحيد الذي يتبنى بحق مبدأ إصلاح ذات البين، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1].
مما يمارسه علماء السلفيين ودعاة أهل السنة والجماعة من تنقية العقيدة من الشوائب، وتطهير المنهج من الأدران، وتوضيح المنهج الصحيح؛ كل هذا الجهاد هو عين إصلاح ذات البين، أما أن نقول: إن إصلاح ذات البين أن نؤلف رابطة مشتركة بين الشيعة والسنة والخوارج والجهمية والقدرية والقرآنيين وكل هؤلاء الضلال، فهذا تجمع على حساب الحق، وليس تجمعاً على الحق.
إصلاح ذات البين مارسه أئمة السلفيين في كل العصور، مارسه ابن عباس حينما حاور الخوارج، فإصلاح ذات البين: أن تنقذهم من الفرق النارية، وأن تعيدهم إلى الفرقة الناجية، هذا هو إصلاح ذات البين، وهذا هو الفهم الصحيح لإصلاح ذات البين.
الإمام أحمد أصلح ذات البين عندما صبر أمام البدعة رغم امتحانه، وشيخ الإسلام ابن تيمية أصلح ذات البين بجهاد الفرق الضالة.
يوجد كلام طيب جداً للدكتور سفر الحوالي في كتابه: منهج الأشاعرة في العقيدة، فيه الرد على الذين يطالبون بالتجميع العاطفي بين أهل السنة والجماعة وغيرهم، وهو كلام في غاية القوة، وفيه رد على قاعدة المنار التي يسمونها القاعدة الذهبية، ويبدو أنها ذهب مزيف! فبعض الناس يقول: أنتم تفرقون بين المسلمين، والكلام في التوحيد يفرق بين المسلمين! فنقول: إذا كان الكلام في التوحيد هو الذي يفرق فهذا تفرق مطلوب؛ لأن محمداً عليه الصلاة والسلام فرق بين الناس، يفرق بين الحق وبين الباطل.
ونقول: من أراد توحيد المسلمين فأيدينا في يده، والباب مفتوح على مصراعيه، ونشترط عليه فقط أن يرجع إلى منهج أهل السنة والجماعة، ويتبنى المنهج السلفي، فلا طريق لتوحيد المسلمين إلا أن يتجمعوا على هذا المنهج.
والسلفية: عبارة عن فكر واحد لكل العقول، وهذا يؤدي إلى حل واحد لكل المشاكل في الغالب، إذا توحدت العقيدة والمواقف فإنك تجد أن هناك أشياء لا يمكن أن يتورط فيها سلفي، لما قامت ثورة الخميني عليه من الله ما يستحقه، تورط كثير من قادة العمل الإسلامي للأسف الشديد، وإلى الآن لا يستحون من مدح الخميني ويسمونه إمام المسلمين! والسلفيون على غير تواطؤ منهم في شتى بقاع العالم لم يقعوا في هذه الزلة، لا يعرف أن سلفياً واحداً تورط في موالاة الخميني ودولته الشيعية، هل هناك تواطؤ؟ وهل عملوا مؤتمراً ووحدوا فيه الموقف؟ لا، إذا توحدت المفاهيم والأفكار والموازين ينشأ عنها تلقائياً توحد المواقف، فالنجاة من النار بأن تكون على مثل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهؤلاء يلعنون أصحابه، ويكفرونهم، ويشتمون جميع أصحابه رضي الله تعالى عنهم، فكيف تكون النجاة سالمةً مع هؤلاء المجرمين؟ هذه قضية كبيرة، لكن نقول باختصار شديد: التجميع العاطفي هو إضافة أمراض إلى أمراض الأمة، وتضليل للأمة، والتجميع الصحيح هو قوله صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وهذا هو الحل الصحيح لهذه المشكلة.


هناك قواعد مضادة للسلفية يتحاكم إليها بعض الناس ينبغي التحذير منها، من هذه القواعد: تقديم العقل على النقل.
وقولهم: منهج السلف أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم، ومعناه: أن الخلف أعلم من السلف، وحجتهم في ذلك: أن الخلف ألفوا مئات المجلدات، والسلف ما ألفوا، ويظنون أن كثرة الكلام تدل على كثرة العلم، وهذا جهل، وقد تصدى لبيان هذا الأمر الإمام ابن رجب الحنبلي
في كتابه: فضل علم السلف على الخلف.
ومن هذه القواعد قول البوطي : السلفية فترة زمنية مباركة، وهذا ضلال، لا، السلفية ليست فترة زمنية مباركة، السلفية منهج شامل وممتد إلى آخر الزمان: (لا تزال طائفة من أمتي) أي: باستمرار.
وتوجد عبارة يقولها بعض الإخوة الأفاضل، وينبغي التحرز منها وهي قولهم: سلفية المنهج عصرية المواجهة، السلفية ينبغي ألا تعطى بعداً زمنياً، ونحن نتسلح بقواعد المنهج السلفي، ونتعامل مع كل المتغيرات ومع كل العصور، بمعنى آخر: نتعامل مع المستجدات بالأسلوب الذي كان سيتعامل به الصحابة وأئمة السلف لو عاشوا في عصرنا.
وهذه قاعدة يساء تطبيقها: (من لم يكفر الكافر فهو كافر)، فيستعملها بعض الخوارج الجدد لإرغامك على أن تتبنى تكفير المسلمين، ولا يطبقونها في موضعها الصحيح.
يبقى الكلام على مجدد القرن الثاني عشر الهجري شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وأعلام السلفية في العصر الحديث كالشيخ محمود شكري الألوسي و القاسمي والشيخ محمد بهجت البيطار والإمام عبد الحميد بن باديس والعلامة أحمد شاكر والشيخ محمد حامد الفقي والدكتور هراس والشيخ عبد الرزاق عفيفي وهناك كثير من العلماء المعاصرين معلومون لدينا جمعياً.
أيضاً هناك بحث حول السلفية في مواجهة التحديات، والصراعات في شتى أحقاب التاريخ بين السلفيين ومخالفيهم، وهذا موضوع طويل.
وهناك مناقشة للموقف من العلماء الذين أولوا بعض الصفات أو خالفوا المنهج السلفي في بعض القضايا، هذه المسائل نرجو إن شاء الله أن نبينها فيما بعد.


هل نحن سلفيون حقاً؟ قد عرضنا بحسب الاستطاعة، ولكن نحن مطالبون بالنقد الذاتي حتى لا نظلم السلفية ونسيء إليها، وعلينا أن نراجع أنفسنا كثيراً جداً، والآن ينتشر إهمال دارسة التوحيد، وإهمال ضبط ضوابط العقيدة السلفية، وقد حصل من إهمال العقيدة نفسها نتوءات موجودة في بعض السلفيين ومنها: تطاول البعض على الأئمة والعلماء، وادعاء أن هذا من ملامح السلفية.
تسرب المظاهر الحزبية العصبية الجاهلية في التعامل مع الآخرين، بل وظهور التحزب.
عدم التثبت في النقل، ولا بد من احترام المنهج السلفي في كثير من الاتهامات، والتشنيع على كثير من الدعاة ما حصل إلا بسبب عدم احترام المشنعين للمنهج السلفي الذي ينتمون إليه، فالتحقق والتثبت في النقل قل التورع فيه عند كثير من الدعاة.
كذلك موضوع الجدل والمراء، والتنطع بكثرة الأسئلة، وتشديق الكلام، فهذا كله يخالف المنهج السلفي، وغير ذلك من الأشياء التي نرجو إن شاء الله تعالى فيما بعد أن نفصلها.


نختم الحديث عن أبرز أعلام السلفية بعد الإمام أحمد ، ونحن نحتاج إلى دراسة تراجم للأئمة السلفية، وبالذات المحطات الرئيسية، مثل أحمد بن حنبل .
.
ابن تيمية .
.
محمد بن عبد الوهاب .
.
لكن ابن تيمية أنا أسميه: رجل كل العصور، وشيخ الإسلام ابن تيمية يعتبر نادرة الزمان في الحقيقة، وهو باعث النهضة السلفية، ومجدد الدين بلا نزاع رحمه الله تعالى، شيخ الإسلام ترك آثاراً في كل العصور التي جاءت بعده إلى اليوم، وكثير من القضايا الدعوية والعلمية في شتى مجالات المعرفة الإسلامية نحتاج فيها إلى أن نغترف من مائدة شيخ الإسلام ونقتبس من أنوار كلماته، وهي قضايا معاصرة كثيرة جداً مثل: قضية الحزبية الجاهلية، وقضايا تصنيف الناس، وقضايا البرلمانات، وقضايا العمل الجماعي يعني: قضايا كثيرة جداً من القضايا الحيوية والواقعية، ونتعامل مع كتب شيخ الإسلام كأنه يعيش معنا في نفس الواقع، ونستفيد جداً من كتبه، أنا أقتبس عبارة قالها الأستاذ مالك بن نبي المفكر الجزائري المعروف رحمه الله تعالى، عبارة لو أنصف الناس لانتبهوا لها جيداً يقول: اجتهاد ابن تيمية وتراثه يمثل الترسانة الفكرية التي لا زالت تمد الحركات الإصلاحية بالأفكار النموذجية إلى اليوم.
 ثناء ابن شيخ الحزامي على ابن تيمية
ممن حثوا على الاحتفال بتراث شيخ الإسلام ابن تيمية الشيخ عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي المعروف بابن شيخ الحزاميين رحمه الله تعالى، فهذه بعض العبارات التي يقولها في هذه الرسالة: إلى فلان وفلان وفلان وغيرهم من اللائذين بحضرة شيخهم، وشيخنا السيد إمام الأمة الهمام، محيي السنة، وقامع البدعة، ناصر الحديث، مفتي الفرق، الفائق عن الحقائق وموصلها بالأصول الشرعية للطالب الذائق، الجامع بين الظاهر والباطن، فهو يقضي بالحق ظاهراً وقلبه في العلا قاطن، أنموذج الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين غابت عن القلوب سيرهم، ونسيت الأمة حذوهم، فذكرهم بها الشيخ، فكان لدارس نهجهم سالكاً، ولموات حذوهم محيياً، ولأعنة قواعدهم مالكاً، الشيخ الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله تعالى.
وابن تيمية نشأ في بيت علم، أبوه وجده أئمة، وجده هوالمجد بن عبد السلام يقولون فيه: كان إماماً جليلاً، وكان نجماً لكنه لم يظهر بسبب نور الشمس وضوء القمر، نور الشمس يعني: حفيده شيخ الإسلام ، وضوء القمر والد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى؛ لأن شيخ الإسلام سطع نوره بحيث غطى على أبيه وجده رحمهم الله تعالى أجمعين.
ثم يقول مخاطباً السلفيين في عصره: واعلموا أيدكم الله -وهو من تلامذة شيخ الإسلام - أنه يجب عليكم أن تشكروا ربكم تعالى في هذا العصر، حيث جعلكم بين جميع أهل هذا العصر كالشامة البيضاء في الحيوان الأسود، لكن من لم يسافر إلى الأقطار، ولم يتعرف أحوال الناس، لا يدري قدر ما هو فيه من العافية، فأنتم إن شاء الله تعالى في حق هذه الأمة الأولى، كما قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وكما قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41]، أصبحتم تحت سنجق -يعني: لواء وراية- رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى، مع شيخكم وإمامكم، وشيخنا وإمامنا، فقد تميزتم عن جميع أهل الأرض -فقهائها وفقرائها، وصوفيتها وعوامها- بالدين الصحيح.
ثم ظل يسرد الفروق بينهم وبين هذه الطوائف التي ذكرها في كلام رائع جداً في الحقيقة فقال: ثم اعرفوا -إخواني- حق ما أنعم الله عليكم من قيامكم بذلك، واعرفوا طريقكم إلى ذلك، واشكروا الله تعالى عليه، وهو أن الله أقام لكم ولنا في هذا العصر مثل سيدنا الشيخ الذي فتح الله به أقفال القلوب، وكشف به عن البصائر عمى الشبهات، وحيرة الضلالة، حيث تاه العقل بين هذه الفرق، ولم يهتد إلى حقيقة دين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أن يقول أيضاً: فاشكروا الله الذي أقام لكم في رأس السبعمائة من الهجرة من يبين لكم أعلام دينكم وهداكم الله به وإيانا إلى نهج شريعته، وبين لكم بهذا النور المحمدي ضلالات العباد وانحرافتهم .
.
إلى آخره.
ثم يقول: ثم إذا علمتم ذلك فاعرفوا حق هذا الرجل -الذي هو بين أظهركم- وقدره، ولا يعرف حقه وقدره إلا من عرف دين الرسول صلى الله عليه وسلم وحقه وقدره، فمن وقع دين الرسول صلى الله عليه وسلم من قلبه بموقع يستحقه عرف حق ما قام به هذا الرجل بين أظهر عباد الله، يقوم معوجهم، ويصلح فسادهم، ويلم شعثهم جهد إمكانه في الزمان المظلم الذي انحرف فيه الدين، وجهلت السنن، وعهدت البدع، وصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والقابض على دينه كالقابض على الجمر، فإن أجر من قام بإظهار هذا النور في هذه الظلمات لا يوصف، وخطره لا يعرف.
ثم يقول: فالله الله في حفظ الأدب معه، والانفعال لأوامره، وحفظ حرماته في الغيب والشهادة، وحب من أحبه، ومجانبة من أبغضه وتنقصه، ورد غيبته والانتصار له في الحق.
ثم يقول أيضاً في شيخ الإسلام : واعلموا -رحمكم الله- أن هنا من سافر إلى الأقاليم، وعرف الناس وأذواقهم، وأشرف على غالب أحوالهم، فوالله ثم والله لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم علماً وعملاً، وحالاً وخلقاً، واتباعاً، وكرماً وحلماً في حق نفسه، وقياماً في حق الله عند انتهاك حرماته، أصدق الناس عقداً، وأصحهم عزماً، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همة، وأسخاهم كفاً، وأكملهم اتباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم، ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلى النبوة المحمدية وسنتها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل، بحيث يشهد القلب الصحيح أن هذا هو الاتباع حقيقةً، إذا علمتم ذلك -أيدكم الله تعالى- فاحفظوا قلبه، فإن مثل هذا قد يدعى عظيماً في ملكوت السماء، واعملوا على رضاه بكل ممكن، واستجلبوا وده لكم وحبه إياكم بمهما قدرتم عليه، فإن مثل هذا يكون شهيداً، والشهداء في العصر تبع لمثله.
ثم يقول أيضاً: فإني أستخير الله تعالى، وأجتهد رأيي في مثل هذا الرجل وأقول انتصاراً لمن ينصر دين الله بين أعداء الله في رأس السبعمائة، فإن نصرة مثل هذا الرجل واجبة على كل مؤمن كما قال ورقة بن نوفل : لئن أدركني يومك لأنصرنك نصراً مؤزراً.
 ثناء ابن القيم على ابن تيمية
ابن القيم نفسه رحمه الله تعالى ما هو إلا شعاع من نور ابن تيمية ، وإلا فأشعة شيخ الإسلام كثيرة كـابن القيم و ابن عبد الهادي و ابن كثير و الذهبي وغيرهم من الأئمة، كلهم أشعة من نور شيخ الإسلام، وقد حكى ابن القيم قصته مع شيخه في شعره المشهور فقال: يا قوم بالله العظيم نصيحةً من مشفق وأخ لكم معوان جربت هذا كله ووقعت في تلك الشباك وكنت ذا طيران حتى أتاح لي الإله بفضله من ليس تجزيه يدي ولساني حبراً أتى من أرض حران فيا أهلاً بمن قد جاء من حران أخذت يداه يدي وسار فلم يلن حتى أراني مطلع الإيمان وأبصرت أسوار المدينة حولها نزل الهدى وعساكر القرآن وأبصرت آثاراً عظيماً شأنها محجوبةً عن زمرة العميان إلى آخر كلامه في النونية المعروفة.
 ثناء ابن مري على ابن تيمية
آخر شيء نختم به الكلام هذه الرسالة القيمة، وهي عبارة عن قطعة من مكتوب الشيخ الإمام الزاهد شهاب الدين أحمد بن مري الحنبلي أحد تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية كتبه إلى حنابلة دمشق يعزيهم بالمصاب بعد وفاة الشيخ، ويوصيهم بنسخ تآليفه من المسودات والاحتفاظ بها، وبمراجعة الإمام ابن القيم ، ويبشرهم بالعاقبة الحسنة، ويذكرهم بأخلاق الشيخ عليه الرحمة والرضوان.
وقد تعجبت من فراسة هذا الرجل، لما بلغه موت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أرسل يعزي أصحاب الشيخ رحمه الله تعالى، وعلى رأسهم ابن القيم في المصيبة الجلل التي وقعت بوفاة شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وأوصاهم وقال عبارات هي في غاية الروعة.
فيقول مثلاً: وكما انتفع بكلام الأئمة قبله، فكذلك ينتفع بكلامه ممن بعده إن شاء الله تعالى، أي: كما أن ابن تيمية أسس مذهبه على اتباع الأئمة الماضين فسوف يكافئه الله بأن يجعله إماماً يقتدي به من يأتي بعده.
تعرفون أن الدعوة الوهابية ما هي إلا صدى تطبيقي لدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وأنتم تعرفون الآن الاهتمام العجيب بتراث شيخ الإسلام ابن تيمية مما يدل على أن هذا بركة إخلاصه والقبول الذي وضع لعلمه رحمه الله تعالى، رغم الحرب الضروس التي حوربت به مؤلفات شيخ الإسلام ؛ حتى إن الأمير عبد القادر الجزائري هذا كان أخذ على نفسه أن يستأصل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وكان يبحث عن كتب شيخ الإسلام ، فمن كان عنده شيء منها أحرقه، ولعلكم تعرفون أن شارح الطحاوية أبهم اسمه، وكتاب: غاية الأماني في الرد على النبهاني طبع بغير اسم المؤلف محمود شكري الألوسي ؛ لشدة الاضطهاد الذي كان يمارس في زمن الدولة العثمانية لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والعجيب أنه إلى اليوم يوجد في تركيا مراكز تنشر كتباً ومطبوعات توزعها مجاناً، وبعض هذه الكتب تشتم شيخ الإسلام ، وتشتم الدعوة الوهابية بطريقة مضحكة، إلى الآن تركيا التي وصلت إلى ما وصلت إليه ما زالت بعض الهيئات هناك تقوم بمحاربة الدعوة السلفية.
فالشيخ محمود شكري الألوسي أبهم اسمه خوفاً من الاضطهاد الذي كان سيتعرض له لو جهر باسمه على أنه سلفي؛ كذلك شرح الطحاوية لـابن أبي العز بقي الكتاب مدة كبيرة لا يعرف مؤلفه؛وعلة ذلك أن السلفيين كانوا مضطهدين في ذلك الزمن.
فانظر سبحان الله! كيف مرت العصور والأجيال، وها نحن اليوم نشاهد الأمة تنتفع الآن بتراث شيخ الإسلام .
ثم يقول: ووالله -وتأملوا هذه العبارة العجيبة- إن شاء الله ليقيمن الله سبحانه وتعالى لنصر هذا الكلام ونشره، وتدوينه وتفهمه، واستخراج مقاصده، واستحسان عجائبه رجالاً هم إلى الآن في أصلاب آبائهم! وهذه هي سنة الله الجارية في عباده وبلاده، والذي وقع من هذه الأمور في الكون لا يحصي عدده غير الله تعالى، ومن المعلوم أن البخاري مع جلالة قدره أخرج طريداً ثم مات بعد ذلك غريباً، وعوضه الله سبحانه عن ذلك بما كان لا يخطر في بال، وشيخ الإسلام مات وهو في السجن، والدولة كانت ضده، لكن انظر إلى احتفال الأمة به وبتراثه.
وقد ذكر هنا أن البخاري طرد ومات غريباً رحمه الله تعالى، وعوضه الله سبحانه وتعالى عن ذلك بما لا خطر في باله ولا مر في خياله، من عكوف الهمم على كتابه، وشدة احتفالها به، وترجيحها له على جميع كتب السنن؛ وذلك لكمال صحته، وعظمة قدره، وحسن ترتيبه وجمعه، وجميل نية مؤلفه، وغير ذلك من الأسباب، ونحن نرجو أن يكون لمؤلفات شيخنا أبي العباس من هذه الوراثة الصالحة نصيب كثير إن شاء الله تعالى؛ لأنه كان بنى جملة أموره على الكتاب والسنة، ونصوص أئمة سلف الأمة، وكان يقصد تحرير الصحة بكل جهده، ويدفع الباطل بكل ما يقدر عليه، لا يهاب مخالفة أحد من الناس في نصرة هذه الطريقة، وتبيين هذه الحقيقة، وتسهيل العبارات، وجمع أشتات المتفرقات، والنطق في مضايق الأبواب بحقائق فصل الخطاب ما ليس لأكثر المصنفين في أبواب مسائل أصول الدين وغيرها من مسائل المحققين.
يقول: فكانت مقاصده وتحقيقاته في هذا الباب العظيم عجباً من عجائب الوجود.
ثم يوصيهم بشيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى فيقول لهم: تلميذه ابن القيم حافظوا عليه، هو أعلم الناس بعلم شيخ الإسلام.
ولو قرأتم الرسالة فهي شيء عجيب يقول لهم: انتبهوا! كتاب شيخ الإسلام في الفلسفة كتاب لا نظير له في الرد على الفلاسفة، توجد منه نسخة عند الشيخ فلان، وناقصة منها الورقة الأخيرة، فابحثوا عنها في المكان الفلاني، يعني: كان يعطيهم تعليمات على الرغم من البعد، ويبين لهم كيف يحصلون على هذا التراث لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ثم يوصيهم بـابن القيم وكنيته أبو عبد الله يقول: والشيخ أبو عبد الله سلمه الله فهو بلا تردد واسطة نظام هذا الأمر العظيم فأعدوه، وأزيلوا ضرورته، واجمعوا همته، واغتنموا بقية حياته، واقبلوا نصيحتي فيمن الحقيقة من هذا كله كما كنت أتحقق، إن اغتنام أوقات الشيخ وجمعها على التأليف والإتقان والمقابلة خير من صرفها في مجرد المفاكهة اللذيذة والمنادمة، النفوس فرطت كثيراً في ذلك الحال، والله المسئول بأن يكفها مضرة كمال الفوت الذي لا يعوض عنه بحال إنه رءوف رحيم جواد كريم؛ فإن يسر الله تعالى وأعان على هذه الأمور العظيمة صارت إن شاء الله مؤلفات شيخنا ذخيرة صالحة للإسلام وأهله، وخزانة عظيمة لمن يؤلف منها وينقل الطريقة السلفية على قواعدها، ويستخرج ويختصر إلى آخر الدهر إن شاء الله تعالى؛ قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعة الله).
فهو يقول لهم: حافظوا على تراث شيخ الإسلام حتى تأتي أجيال فيما بعد تنتفع بهذا التراث؛ لأن الرسول قال: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعة الله) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة)، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.