الاثنين، 9 مايو 2011

السلفيون والواقع

د. محمود أحمد محجوب   |  09-05-2011 01:27

يهتم السلفيون باتباع دين النبي صلي الله عليه و سلم كما فعل الصحابه و التابعون و من تابعهم باحسان الي يوم الدين و لذا فانهم يركزون علي تصحيح العقيدة و اتباع الرسول و الأخلاق.

فأما تصحيح العقيدة فلأنها باب الدين، فان فسدت العقيدة فلا يصلح بعد ذلك عمل، في حديث سؤال جبريل الذي رواه مسلم في الصحيح أن التابعي الثقة يحيي بن يعمر سأل الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رجال بالبصرة يتقفرون العلم – أي يحرصون علي العلم الشرعي حرصا شديدا – و يقرأون القرأن غير أنهم يقولون أن الأمر أنف – بضم الهمزة أي مستأنف ولم يكتب الله شيئا أي ينكرون القدر- فقال عبد الله بن عمر: نبئهم أني برئ منهم و أنهم براء مني فلو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ما تقبل منه حتي يؤمن بالقدر، ثم ساق حديث سؤال جبريل وذكر فيها فروع الايمان الستة وهي الايمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الأخر و القدر خيره و شره، كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأي راهبا قد ذبل من الانقطاع للعبادة فبكي فقرأ قوله تعالي: (وجوه يومئذ خاشعة- عاملة ناصبة – تصلي نارا حامية)، و المعني أن فساد العقيدة أفسد العمل و ان كثر و هوي به في نار جهنم أعاذنا الله منها.

و أهم العقائد التي يعني بها المسلم هو اعتقاده في الله بالتوحيد الكامل و بخاصة توحيد العباده بافراده سبحانه بالعبادات كلها القلبية و البدنية و المالية و غيرها و ما يستلزم ذلك من ترك الشرك المحبط للعمل و الذي لا يغفره الله تعالي بينما يغفر ما شاء دونه، و كذا توحيد الأسماء و الصفات بأن يثبت المسلم لربه ما أثبته لنفسه في الكتاب و السنة من غير تأويل و لا تشبيه و لا تحريف و لا تعطيل. و الداعية ينبغي عليه معرفة ما أحدثه الشيطان من البدع في العقائد و التي بدأت في نهاية العهد النبوي بظهور الخوارج و تكفيرهم لأصحاب الكبائر ثم المعتزلة و اعتقادهم بالمنزلة بين المنزلتين ثم سائر البدع من القدرية و المرجئة و الجبرية و خلافه. و لذا يبذل السلفيون جهدا في تعلم و تعليم التوحيد و نبذ الشركيات وكذا تعلم كافة أركان العقيدة.

أما اتباع النبي صلي الله عليه و سلم فيعني الالتزام بالسنة في العبادات و المعاملات و الأخلاق و نبذ نقيض ذلك من البدع المحدثة في الدين، و البدع المنكرة هو كل حادث في العبادات و الشرائع و العقائد و هي لا تشمل المخترعات و الوسائل التكنولوجية الحديثة و التي قد يحاول البعض وصم السلفيين بمعاداتهم للتطور التكنولوجي. حرص السلفيين علي متابعة الرسول جعلهم يبذلون الجهد لتحرير و تمحيص مسائل عقائدية و تعبدية يري البعض أنها لا علاقة لها بواقع المسلمين سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، و يضيعون وقت و جهد المسلمين فيما لا طائل منه، وهذا هو بيت القصيد في اختلاف المسلمين عن الاخوان المسلمين الذين يحرصون علي المناهج الحركية و فقه الواقع. و الرد السلفي علي هذه الشبهة يتمثل في أنه لا دخل للعقل في الأولويات الشرعية، فالعقل يصل بالانسان الي الدين و لا يجوز أن يكون حكما علي الشرع، و كثير من العبادات لا تبدو فيها المصلحة من الناحية العقلية مثل رمي الجمرات و تقبيل الحجر الأسود و الطواف حول البيت و السعي بين الصفا و المروة وفي ذلك السياق ما ذكر عن عمر بن الخطاب و هو يقبل الحجر الأسود أنه قال: اللهم اني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقبلك ما فعلت. و الغرض الأساسي من خلق الانسان هو عبادة الله تعالي بما يحب و يرضي ( وما خلقت الجن و الأنس الا ليعبدون)، و الهدف الأسمي من ارسال الرسل هو قول موسي عليه السلام حين دعا ربه أن يرسل معه أخاه هارون (كي نسبحك كثيرا و نذكرك كثيرا). ثم ان رسول الله صلي الله عليه و سلم قد ربط ظهور الدين و نصر الاسلام بأمور قد تبدو غير مؤثرة من الناحية العقلية، فذكر صلي الله عليه و سلم أنه لا تزال الأمة بخير- أو لا يزال الدين ظاهرا- ما أخر المسلمون السحور و عجلوا بالفطور، و لذا حرص الدكتور محمد اسماعيل المقدم في رسالته تبصير أولي الالباب ببدعة تقسيم الدين الي قشرة و لباب الي تحذير المسلمين من ترتيب أولويات الشرع بطريقة لم يأذن بها الله أو أن يثبط الهمم عن أمور أوجبها الله بحجة مخالفتها لواقع المسلمين أو الظن بعدم تأثيرها عليه.

هذا هو بيت القصيد في اختلاف السلفيين عن بعض التيارات الأخري، فيراهم البعض يبذلون الجهد في تحقيق بعض مسائل الاعتقاد أو التشريع مما لا خطر له في واقع المسلمين، و مع هذا فكان السلفيون في العهد البائد ملاحقين من مباحث أمن الدولة شأنهم شأن جميع الاسلاميين، بل كان عليهم أن يبذلوا جهدا أكبر لكي يثبتوا بعدهم عن السلفية الجهادية أو التكفيرية وهي الأخطر أمنيا. أما الأن و قد تبدل الوضع و ذهب جهاز مباحث أمن الدولة الي حيث يستحق و ارتفع الحظر عن الاسلاميين و بدأ الاخوان تكوين حزب اسلامي و حكمت المحكمة لصالح حزب الوسط و ارتقع التجميد أو كاد عن حزب العمل، ما هو دور السلفيين في العهد الجديد؟؟؟.

بعد الثورة نشط السلفيون كسائر أطياف الشعب المصري و كان صوتهم مؤثرا في الفتوي باعادة بناء كنيسة أطفيح بعد أن دمرتها يد الفتنة بين المسلمين و الأقباط، و شاركوا في استفتاء تعديلات الدستور و أعادوا للأذهان قضية هامة تثير الغصة في حلق كل المصريين وهي قضية احتجاز المسلمات الجدد في الأديرة، وان كانت تلك الممارسات لم تخل من سذاجة سياسية مثل الحديث عن غزوة الصناديق و التظاهر أمام الكاتدرائية مما أثار بعض مخاوف المصلين الأقباط بها.

رأيي الشخصي أنه لا يجب أن يسعي السلفيون لانشاء أحزاب خاصة بهم، من الممكن أن يشارك الأفراد القادرون منهم علي أعباء العمل السياسي أن يشاركوا فيه سواء كمستقلين أو من خلال أحزاب أخري. دور السلفيين الأهم هو دعوي تعليمي بالطراز الأول، ينبغي علي السلفيين أن ينبهوا المجتمع لمخالفاته عن صحيح الدين، ينبغي عليهم النشاط الدعوي لاصلاح العقيدة وحماية جناب التوحيد و الدعوة لتطبيق الشريعة الاسلامية في كافة نواحي الحياة. ينبغي علي السلفيين تكوين معاهدهم التعليمية في مدن و قري مصر لكي يعلموا الشباب و الشيوخ صحيح الدين، يجب أن يعود منهج اعداد الدعاة لكي يتعلم الشباب علي مدار عام واحد مبادئ الحديث و التفسير و العقيدة و اللغة العربية، ثم برنامج اعداد المدرسين علي مدار ثلاثة أعوام يعمقون فيها دراسة علوم الملة تمهيدا لكي يدرسوا للدعاة الجدد، ثم برنامج أكبر لاعداد الباحثين. يمكن للسلفيين أن يتعاونوا في ذلك مع الجماعات المسجلة مثل أنصار السنة المحمدية و الجمعية الشرعية، بل مع الأزهر الشريف و جماعة الأخوان لكي ينتج جيلا يعرف دينه بل أن استغرق في التعليم المدني. ينبغي أن يتصدي لعلوم الملة شبابا في وطنية وذكاء الشعراوي و الغزالي و حسن البنا لكي يكونوا قادة للأمة، لا أن يقتصر العلم الشرعي علي المنخنقة و الموقوذة و المتردية بتعبير أحد شيوخنا الأفاضل.

أما أفراد السلفيين القادرين علي ممارسة العمل السياسي، فعليهم ممارسة ذلك.



أستاذ جراحة القلب و الصدر بطب الزقازيق