الجمعة، 7 سبتمبر 2012

السلفيون وحفظ الأوطان: المنهج والتطبيق

كتبه/ علاء الدين عبد الهادي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).
هل يحتاج الأمر إلى عناء كبير للتمييز بين مَن يحرص على مصلحة البلاد وأمنها وبين من يريد إشعال نيران الفتن فيها؟!
وهل من الصعوبة بمكان معرفة من يوافق قوله عمله ممن يخرج علينا دومًا بشعارات جوفاء عن المحبة والتسامح؟!
وهل يستوي اليقظ لقضايا الأمة المصيرية الواعي لدوره تجاهها مع من يتعصب -دائمًا- لأجندته المبنية على العصبية الجاهلية البغيضة لإخوانه من أهل الكفر والنفاق؟!
إجابتي -بل إجابات الكثيرين في أغلب الأحيان- ستكون بالنفي؛ إذ الواقع خير شاهد، ولكن المغرضين أصحاب الأقلام المأجورة والمناهج الفاسدة سيكون لهم بالتأكيد رأي آخر.
كم مرة سمعنا فيها وقرأنا اتهامًا مغرضًا للإسلاميين عمومًا "والسلفيين خصوصًا" بأنهم أساتذة التشدد، وأصحاب التطرف، ورعاة الإرهاب؟!
وكم مرة رأينا فيها السلفية تُقرن بالفتن الطائفية، وهي من الفتن براء؟!
"السلفية "منهج إصلاح" شامل، وهو منهج وسط بين منهجين، منهج التغيير المسلح الصدامي من جهة ومنهج التغيير السياسي المتلون من جهة أخرى
"
وكم رماها أعداؤها –عن قلة علم أو سوء نية- بضد ما تدعو إليه من منهج إسلامي صاف عن البدع والأهواء والأفكار المحدثة غربيها وشرقيها؟
ومما رُمي به السلفيون دومًا في خضم هذه المعركة أنهم أناس لا يحبون أوطانهم، بل هم شر على أوطانهم من أعدائها المعلنين بالعداوة، بل زعم المبطلون أنه ما أصاب البلاد من فتن وأمراض اجتماعية إلا جراء انتشار أفكارهم واستفحال خطرهم!
ولك الله إن تركت وحدك في معركة مع هؤلاء في خصومة هم فيها الخصم والحكم، ولك الله حينما لا يكون عدوك عدوًا عاقلاً ولا حكمًا منصفًا.
أما المنصف -وإن خالفك- إذا أراد أن يحكم عليك أو على جماعة بشرية يجمعها إطار منهجي معين؛ فإنه يرجع إلى الأصول العقدية لهذا المنهج أولاً من واقع مراجعه وأصوله، ويرجع -ثانيًا- إلى التطبيق العملي من قبل هذه الجماعة البشرية لهذه الأصول من واقع تاريخهم والأحداث التي مرت بهم، يفعل ذلك بتجرد، ثم يقدم رؤيته وحكمه.
ولكن القوم لم يكونوا صادقين مع أنفسهم -فضلاً عن أن يكونوا كذلك مع غيرهم-؛ فيتبعوا هذا الطريق المنصف، ولم يكونوا عادلين في أحكامهم؛ إذ تحركهم -دومًا- الأهواء، وليس طلب الحق، ولم يتحلوا -كذلك- بالشجاعة العلمية اللازمة؛ ليقارعوا الحجة بالحجة والبيان بالبيان، بل عادتهم التشغيب وعلو الصوت، وإلقاء التهم جزافًا، ثم الهروب من المواجهة، ودأبهم المسكنة الزائفة وبكاء حال الأوطان، والتشبه بلابس ثوب الحكمة، والحكمة له مجافية.
فهيا في هذه العجالة نستعرض منهج السلفيين وأفعالهم في هذا الجانب -الحفاظ على الأوطان-؛ لكي نكون على بصيرة من أمرنا ونخلص الحقائق من الأكاذيب.
أولاً: في الجانب المنهجي:
لو طالعت كتب السلفيين ومراجعهم وأدبياتهم؛ لوجدت كثيرًا من المصطلحات ذات الدلالة بخصوص حديثنا هنا عن أمن الأوطان والحفاظ عليها، ومن ذلك:
1- السلفية منهج إصلاح:
فالسلفية "منهج إصلاح" شامل، وهو منهج وسط بين منهجين، منهج التغيير المسلح الصدامي غير المنضبط بضوابط الشرع في الدماء والأموال ولا العابئ بالمفاسد والمصالح ولا المراعي لموازين القدرة والعجز، ومنهج التغيير السياسي المتلون من جهة أخرى، فبينما سعى الاتجاهان الآخران للسلطة -بالعنف أو بصناديق الانتخابات-؛ لنوال الحكم والسيطرة عليه أو المشاركة فيه؛ لم يسع السلفيون للحكم بأنفسهم ولا دعوا إلى أنفسهم وأعلامهم، بل يدعون -دائمًا- إلى أن يكون الحكم لله، وأن يُحكموا هم بشرعه، وليس أن يتولوا هم هذا الحكم بالضرورة.
وهذا التغيير المنشود ليس مبهمًا ولا ضبابيًا، بل هو تغيير منصب -أساسًا- على البشر، وموجه إلى عامة الناس، قوامه الحرص على إيجاد الفرد المسلم الذي حسن إسلامه، وتم بناء شخصيته في تكامل مأخوذ من تكامل الإسلام نفسه؛ تربية متوازنة وعلمًا نافعًا، وعملاً صالحًا، وعقيدة سليمة، وأخلاقا حسنة، وسلوكًا سويًّا، كما بين الرسول -صلى الله عليه وسل ذلك كله في سياق بيانه للدين في حديث جبريل -عليه السلام- عن الإسلام الإيمان والإحسان.
وهو -كذلك- تغيير قائم على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وفهم الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان من السلف الصالحين أئمة الدين، دعوة لتغيير لحياة الأفراد ونظام المجتمع وأسلوب الحكم، وليس تغييرًا أجوف من أجل التغيير فحسب، ولا تغييرًا ذا نظرة ضيقة من أجل إسقاط حزمة قوانين ومواد دستورية، أو معارضة لحكم قائم أو خروجًا عليه، ولا لتغيير أوجه واستقدام آخرين، ولا لنصرة حزب سياسي ذي أجندة غير مستمدة من أحكام الشرع الحكيم.
"السلفيون لا يستحلون دماء المسلمين ولا المعاهدين من غيرهم، ولا أعراضهم، ولا أموالهم، ويرونها كلها معصومة محرمة بعصمة الشرع وتحريمه لها
"
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ويرتبط بما سبق من عرض للمنهج السلفي: قضية الاحتساب، أي: إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وإشاعته قدر الإمكان والوسع والطاقة بين كل من يقدر عليه، نصحًا يقوم به بنفسه أو بغيره متعاونًا معه في ذلك، أو تنبيهًا لغيره من القادرين عليه، وهذه الحسبة لها ضوابط وآداب ينبغي على القائم بها مراعاتها؛ وإلا كان مفسدًا غير مصلح، منفرًا من الحق غير داعٍ إليه، بل ينبغي للمحتسب أن يكون مخلصًا في ذلك حتى تكون دعوته إلى الله وليس إلى نفسه، صابرًا على ما أصابه، كما ينبغي أن يكون أمره بالمعروف معروفًا ونهيه عن المنكر غير منكر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، والذي يلقبه غير المنصفين بإمام التطرف، ومنظِّر الإرهاب، وكأنهم لم يطالعوا منهج الإمام.
وإن كان غير السلفيين يتشدقون بالدعوة إلى "الإيجابية" والحراك المجتمعي من أجل التغيير وغير ذلك من الألفاظ الرنانة، فالسلفيون رأوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطه وضوابطه وإصلاح المجتمع على نور الوحي وضوء الشريعة أفضل فعل إيجابي يقومون به كما أمر الله، من أجل حفظ هذا المجتمع وصيانة هذه الأوطان.
3- مراعاة المفاسد والمصالح:
ويرتبط بما سبق من منهجهم -أيضًا-: مراعاة المفاسد والمصالح، فهم يجتهدون في استجلاب المنافع والمصالح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ويدفعون المفاسد والمضار عن المسلمين قدر طاقتهم، ويتعبدون لله بتقديم أكبر المصلحتين إن تعارضتا، ودفع أكبر المفسدتين إن أوشك حدوثهما معًا، وذلك في كافة شئونهم من الفعل والترك، والأمر والنهي، والحركة والسكون، والنطق والسكوت، بل لعل هذه الجملة: "مراعاة المصالح والمفاسد" لم توجد أكثر انتشارًا إلا على ألسنة العاملين بمنهاج النبوة؛ السائرين على طريق السلف الصالح.
مع تأكيدهم على أن موازنة المصالح والمفاسد إنما يكون بميزان الشريعة المعصومة فنقدم ونعظم ما قدمه وعظمه الله الحكيم ورسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ونؤخر ما أخره الله ورسوله كذلك.
4- أدب الخلاف:
والسلفيون أقروا بوقوع الاختلاف بين الناس في التصورات والرؤى، وما يتبع ذلك من أحكام وتوجهات؛ إذ الاختلاف سنة كونية، فأصلوا له أصولاً شرعية مستمدة من الكتاب والسنة، ونصوا على آداب مأخوذة منهما، وتأسوا في ذلك بسلف الأمة الذين وسعهم ما ينبغي أن يسعنا، والذين أنكروا على أشياء أخرى ينبغي علينا إنكارها هي وأشباهها.
وفرق السلفيون بين خلاف التنوع وخلاف التضاد، وبين الخلاف السائغ الذي لا يصادم كتابًا ولا سنة ولا إجماعًا ولا قياسًا جليًّا وبين الخلاف غير السائغ الذي يعارض النصوص والإجماع، وذكروا الواجب نحو هذا الخلاف في كل حالة من هذه الأحوال.
فاختلاف التنوع يستثمر في تحقيق التكامل في العلوم والأعمال حتى ترتقي الأمة بأبنائها ويصلح المجتمع المسلم.
واختلاف التضاد السائغ يحتمل ويبقى الود والحب والأخوة في الله.
واختلاف التضاد غير السائغ يرد ويحارب بإحقاق الحق وبيانه وإبطال الباطل وإزهاقه، مع التفريق بين المصر على الكفر أو البدعة أو الضلالة فيُبغض ويُحذر منه، وبين المجتهد المخطئ الذي عامة حياته وأعماله في نصرة دين الله واتباع كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا إن زل في مسألة بخصوصها يرد فيها قوله وتبقى منزلته وتذكر حسناته ويدعى له بالمغفرة.
كذلك دعا السلفيون الناس برفق؛ لتضييق فجوة الخلاف بالالتفاف حول الكتاب والسنة، والاجتماع على كلمة التوحيد، وعرضوا كل هذه القضايا برقي ووضوح لم يوجد مثله عند كثير من "المستنيرين" المزعومين الذين يتهمون السلفية بجمود الفكر وضلال المذهب، وينسبون إليها كل بلية استجلبوها هم علينا، في الوقت الذي يمارسون ضد السلفيين كل ما يستطيعونه مِن: صور الاستهزاء، والحرب، والتضييق ، والملاحقة.
والحاصل: أنه كان لهذا الأدب السامي في الخلاف عامل كبير في تواصل السلفيين مع غيرهم ممن خالفوهم -وإن كنا نطمع بمزيد من التواصل البنَّاء لا سيما مع الإسلاميين-، كذا كان لهذا التواصل كبير الأثر في حفظ الأمن الاجتماعي.
"حب السلفيين لأوطانهم وعملهم من أجله إنما هو نابع من دينهم وعقيدتهم؛ فخالفوا بذلك أهل الدعوة إلى القومية والوطنية والتحزبات الطائفية الإقليمية، وغير ذلك من الدعاوى الفارغة
"
5- قضايا الإيمان والكفر:
كل ما ذكرنا وغيره إنما هو راجع في الأساس لأصل العقيدة عند السلفيين، والتي اشتركوا فيها -بفضل الله- مع عامة المسلمين الموحدين أتباع الحق في مشارق الأرض ومغاربها، والتي انتظمت حولها كل العقائد السلفية الأخرى على ضوء الشريعة -أيضًا-، ونعني بهذه العقيدة: قضايا الإيمان والكفر.
فالسلفيون يثبتون الإسلام لكل من نطق الشهادتين وبرأ من الشرك، ويعتبرونه أخًا لهم وحسابه على الله -تعالى-، ولا يتوقفون في ذلك ولا يمتحنون غيرهم على الإيمان، ولا يكفرون أحدًا بذنب وإن كان مرتكبًا كبيرة ما دام غير مستحل لها، ويرون صحة الصلاة خلف كل بر وفاجر، وصحة الجهاد خلفه إن كان ذا راية غير جاهلية ممن تولى أمور المسلمين ما دام يقودهم بكتاب الله في الجملة، وفسقه -إن كان فاسقًا- فعلى نفسه، ويسألون الله الثبات للبار، ويسألونه الهداية للعاصي، ويترحمون على أموات المسلمين ولو لم يعرفوا شخوصهم ولم يخالطوهم.
والسلفيون لا يستحلون دماء المسلمين ولا المعاهدين من غيرهم، ولا أعراضهم، ولا أموالهم، ويرونها كلها معصومة محرمة بعصمة الشرع وتحريمه لها، ولا يرون تكفير مسلم بلا بينة أوضح من الشمس في وضح النهار، ولا يسارعون فيه، بل لابد لديهم من استيفاء شروط وانتفاء موانع محلها مظانها يفتي بها أهل العلم الأثبات، ويفرِّقون بين كفر العين وكفر النوع؛ فليس كل من وقع في شيء من أفعال الكفر كافرًا، بل لعله جاهل أو متأول؛ فيعذرون الجاهلين بجهلهم الناشئ عن عدم البلاغ، ويجتهدون في تعليمهم، والتحذير من الشرك وأبوابه وذرائعه بالحسنى والكلمة الطيبة.
والأصل في المسلمين -الذين ولدوا على الإسلام أو نطقوا الشهادتين أو أقاموا الصلاة- الإسلام إلا ما طرأ عليهم، والسلفيون يوالون عامة المسلمين ويناصرونهم مهما تباعدت أوطانهم واختلفت لغاتهم؛ يحبونهم لإسلامهم وإن ظلموهم وأخذوا أموالهم، فيكرهون منهم ظلمهم ومعصيتهم وبدعتهم إن وقعوا في شيء من ذلك، ويحبونهم بقدر ما معهم من إيمان وطاعة، ويزوجونهم ويتزوجون منهم، ويأكلون طعامهم ويطعمونهم، ولا يرون لأنفسهم فضلاً على أحد إلا بما سمى الله -تعالى- من التقوى التي في القلوب فلا يطلع عليها إلا هو.
ثانيًا: في الجانب العملي:
السلوك مرآة الفكر، وما يعتقده الناس في دواخلهم يظهر على تصرفاتهم واختياراتهم، فكل ما يشيع بين أفراد جماعة بشرية ما فإنما هو محصلة عقيدتهم وخلاصة آرائهم، لذلك؛ لم يختلف -بفضل الله- الجانب العملي لدى عامة السلفيين -بشتى توجهاتهم- عن المنهج العقدي الذي عرضنا لجانب منه في هذه المقالة، ولم يناقضوا أنفسهم بالادعاء علنًا غير ما يفعلونه ويفتون به ويحثون عليه، وقد كان السلفيون -بفضل الله وحده عليهم وبعصمته لمنهجهم- أحرص الناس على الاجتماع ونبذ التفرق، وأكثرهم تمسكًا بحماية الأوطان والبلاد والعباد، وإيثار المصلحة العامة الحقيقية -على ضوء الشريعة- على كل مصلحة أخرى تتدخل فيها الأهواء، وصحيح أنهم لم يروا للأنظمة المدنية العالمانية ولاية شرعية -نسبة إلى الشرع- إلا أن ذلك لم يمنعهم من قبول الحق منهم إن قالوه أو فعلوه، كذا التعاون معهم عليه من غير مداهنة ولا نفاق.
"أي باحث منصف في شئون الصحوة الإسلامية المباركة يقر بدور المنهج السلفي والسلفيين قديمًا وحديثًا في تقليص دائرة العنف، والعنف المضاد
"
لم يقف السلفيون –وسائر المسلمين- يومًا في وجه السلطات الأمنية مصطدمين بهم -وإن ضيقت عليهم السلطات نفسها-، ولم يشتبكوا معهم أو يناوشوهم؛ إذ يرونهم محل دعوة كغيرهم من المسلمين، ولم يتحدوهم؛ ليعلنوا حالة من الفوضى المتعمدة، ولم يلقوا عليهم -يومًا- قنابل المولوتوف، ولا أدموهم بالحجارة، ولا واجهوهم بالأسلحة البيضاء والعصي وقضبان الحديد، ولم ير السلفيون في ذلك "حربًا مقدسة" يستنفر لها الناس ويُحشد لها راغبو "الشهادة".
لم يتجمع السلفيون يومًا بالآلاف؛ ليحاصروا مبنى المحافظة، أو يحاولوا اقتحام أسوارها عنوة، ولا تحطيم المباني والممتلكات العامة، والمنشآت الحكومية واحتجاز من فيها كرهائن؛ ليفرضوا رأيهم بالقوة أو ينالوا ميزة بالإرهاب، أو يفرضوا أمرًا واقعًا رغم أنف الجميع.
لم يتعاون السلفيون مع أعداء دينهم ووطنهم في الداخل ولا في الخارج، ولا فتحوا معهم قنوات للاتصال والحوار، ولا نسقوا مع أحد أو جهة ما بالمهجر ولا غيره من أجل الضغط على حكوماتهم أو بلدانهم، ولا لأجل كسب ورقة جديدة في مفاوضات من أجل مصلحة طائفية على حساب البلاد.
لم يروع السلفيون الآمنين من السكان في بيوتهم، ولم يتسببوا في الذعر للمارة في الطريق، ولا للطلبة والطالبات في مدارسهم، ولا تدربوا وسطهم على حرب الشوارع وكر العصابات وتطويق الهيئات واختطاف الرهائن.
ذلك كله -وغيره ذلك كثير- لم يفعله السلفيون، ليس ضعفًا منهم أو غفلة عن هذه الأساليب الرخيصة، ولكن لقوة لديهم يستمدونها من الشرع، وليقظة لديهم تدلهم على عدم مشروعية كل هذه الأعمال التخريبية وخطرها على أوطانهم ودعوتهم وأهليهم -عامة الشعب المسالم- وعلى البلاد ككل.
وكل باحث منصف في شئون الصحوة الإسلامية المباركة يقر بدور المنهج السلفي والسلفيين قديمًا وحديثًا في تقليص دائرة العنف، والعنف المضاد بين الحكومة والجماعات الإسلامية التي كانت وقتها صدامية –وذلك قبل المراجعات- عن طريق نشر المنهج السلفي وضوابط التغيير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الشباب الملتزم وتوجيه طاقاتهم وترشيدها نحو البناء لا الهدم، والتواصل لا التصادم .
السلفية هي الإسلام بنقاء:
وبقي أن نذكر أمرًا مهمًا، وهو أن ما ذكرناه من قضايا منهجية وكيف طبقها السلفيون ليست وصفًا لمنهج منفصل عن الإسلام، بل هو الإسلام ذاته، وليس نتاج خبرات أو آراء فكرية بشرية، بل هو المنهج الرباني الذي ورثناه عن الصحابة، والذي اصطلحنا على تسميته بالسلفية، ولا نتعصب للاسم ولا نحتكره، فكل من رأى صحة ذلك المنهج واتبع قواعده الشرعية فهو عندنا "سلفي" المنهج، سليم العقيدة، صائب الرأي ولو لم يتسم بهذا الاسم؛ إذ الولاء على الإسلام ذاته، وليس تعصبًا لاسم.
إن أردت لذلك بيانًا؛ فلتعلم أن عمدتهم في قضية الإيمان -مثلاً- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ) (رواه مسلم)، وفي إيكال الناس إلى ربهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟!) (متفق عليه)، وفي عدم تكفيرهم بذنب –إلا المستحل- قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء:48) وأما في الشركيات فلا بد من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع –كالصغر والجنون والإكراه والخطأ والنسيان والجهل والتأويل- وليس منها الاستحلال، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وفي مخاطبة الناس بالحسنى قوله -تعالى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125).
وفي النهي عن إشاعة الفتن والترويج لها والحث عليها ما قدمنا به المقال: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، وفي أخوة عامة المسلمين قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10)، وغير ذلك مما تجده مبثوثًا منتشرًا مبذولاً في كتب السلفيين ومجالسهم ومصادرهم ومواردهم، منصوصًا عليه في الكتاب، وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في "السنة"، ولكن قلَّ المنصف!!
وكذلك حب السلفيين لأوطانهم وعملهم من أجله إنما هو نابع من دينهم وعقيدتهم؛ فخالفوا بذلك أهل الدعوة إلى القومية والوطنية والتحزبات الطائفية الإقليمية، وغير ذلك من الدعاوى الفارغة التي زرعها فينا الاحتلال بحدود سياسية مصطنعة حتى أصبحت هذه الحدود المستحدثة كالخلايا السرطانية في جسد الأمة الجريح تقطع أوصالها وتبتر أرجاءها.
فأرضنا هي أرض الإسلام كله، وتبلغ حيث بلغ الأذان، وارتفعت كلمة القرآن، حبنا لأوطاننا ليس تشدقًا وحبًّا للظهور وتكسبًا وتجارة باسم الوطن، بل محبةَ أن يظهر الخير فيها وعليها، وليس تشبهًا بعصبية أهل الجاهلية لأرضهم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- في دعوى الجاهلية: (دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) (متفق عليه)، وحبنا لأوطاننا فطرة جعلها الله في قلب كل من شب فوق أرض ما واستظل بسمائها.
فضلاً عن كون مصرنا الغالية -الآن- هي قلب الإسلام النابض، وكنانته التي يرمي بأسهمها عدوه، وبيضته التي يتقي بها شرورهم.
وهكذا وبالرغم من كل ما سبق بيانه وثبت منهجيًا، وثبت كذلك واقعيًّا؛ كانت -دائمًا- السلفية -والسلفيون بالتبع- في مرمى القذف بالباطل، وفي دائرة الاتهام، وقد لاقى السلفيون ذلك بلا ذنب جنوه ولا مخالفة ارتكبوها، تتناوشهم الأيدي مرة وهم ثابتون، ويؤخذون بجريرة غيرهم وهم صابرون محتسبون، ويرميهم العالمانيون، والكُتَّاب المأجورون، والمتآمرون، والإعلاميون -السطحيون منهم، وغير المنصفين، وحتى الدراميون إذا أفاقوا من سكرهم وشهواتهم- يرمونهم بالبعد عن صحيح الدين ووسطيته -وليتنا نتعلم منهم أين وسطيته تحديدًا-، بل يستعْدون عليهم غيرهم، ويشوهون لدى الناس دعوتهم، ويغرقونهم بالجرح والاستهزاء واللمز، ويتهمونهم بسرقة المجتمع، والتخلف والجمود الفكري، والتسويق لثقافة البداوة والانعزال والتطرف والإرهاب، والأعجب من ذلك بإثارة الفتن والخطر على الأوطان! وفي الوقت نفسه يوالون أهل "الحرب المقدسة" ويسارعون فيهم!
والآن أخبرني -أيها القارئ-: هل يحتاج الأمر إلى عناء كبير للتمييز بين من يحرص على مصلحة البلاد وأمنها، وبين من يريد إشعال نيران الفتن فيها؟!
وهل من الصعوبة بمكان معرفة من يوافق قوله عمله ممن يخرج علينا -دومًا- بشعارات جوفاء عن المحبة والتسامح؟!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من نحن و ماذا نريد

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمع إشراقة عيد الفطر المبارك نتقدم إلى كل مسلم ومسلمة بأعز التهاني بهذا العيد الذي أتانا وقد أزاح الله عن بلادنا نظام الظلم والطغيان البائد، وأراح العبادَ من شر طغمة أفسدت في الأرض وصدت عن سبيل الله وابتغت السبيل عوجًا؛ فأزال مالكُ الملك ملكَهم ورئاستَهم، سائلين الله تعالى أن يهيئ لأمتنا أمرَ رشد؛ يُعَزُّ فيه أهلُ طاعته ويُهدَى فيه أهلُ معصيته، ويُؤمَر فيه بالمعروف ويُنهَى فيه عن المنكر، وأن يُوَلِّيَ أمورَنا خيارَنا مِن الذين قال فيهم: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:41)، ولا يُوَلِّيَ أمورَنا شرارَنا، وأن يجعل ولايتَنا فيمن خافه واتقاه وآمن به واتبع شريعتَه وسنةَ نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ونسأله سبحانه أن يتقبل منا ومن كل المسلمين الصلاةَ والصيامَ والزكاةَ وسائرَ الأعمال، وأن يعفو عنا ويغفرَ لنا ويرحمَنا وينصرَنا على مَن بغى علينا.
وننتهز هذه الفرصة لنقدم للجميع جوابًا على السؤال الذي يقفز إلى ذهن الكثيرين ممن سمع عنا ولم يسمع منا:
مَن نحن؟ وماذا نريد؟
نحن جماعة من أبناء هذا الوطن -مصر الحبيبة- رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا، ندعو إلى الله سبحانه؛ إلى عبادته والإيمانِ به؛ تحقيقًا لقوله -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56) متبعين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء بالإسلام كدين شامل كامل ينظم حياةَ الفرد والأُمَّة والدولة؛ في الظاهر والباطن، في العقيدة والعبادة والمعاملة والخلق والسلوك (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام)، نريد العودة إلى الإسلام كما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أبيضَ نقيًّا بلا شوائبَ ولا بدع كما فهمه وطبقه السلف الصالح من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومَن تبعهم بإحسان؛ الذين نحبهم ونتولاهم ونبغض مَن يبغضهم وبغير الخير يَذكُرهم. ونريد استئناف حياة إسلامية لبلادنا ولكل المسلمين في الأرض لتحقيق الإسلام والإيمان والإحسان.
ففي العقيدة والإيمان:
ندعو إلى توحيد الله -سبحانه- بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا شريك له في الهيئة ولا كفءَ له في أسمائه وصفاته وأفعاله:
فهو وحده المتفرد بالخلق والرزق والتدبير (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنعام:17).
وهو وحده المتفرد بالملك (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:26)، وقال: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) (فاطر:13).
وهو وحده الذي له الأمر والحكم والتشريع (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54)، وقال: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (يوسف:40)، وقال: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشورى:21)؛ فلا نرضى أبدًا بحكم يخالف شرعَه الذي أوحاه إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتمِ النبيين الذي لا يقبل الله مِن أحد صرفًا ولا عدلاً إلا بالإيمان به واتباعه واتباع النور الذي أنزل معه -القرآن العظيم-.
والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان ونصرة الدين ومتابعة أهله وعدم طاعة الكفار والمنافقين من أصول الإيمان.
وهو سبحانه وحدَه الذي يستحق العبادة بكل أنواعها؛ فلا نركع إلا لله ولا نسجد إلا له ولا ندعو غيرَه ولا نذبح لغيره.
ونحارب البدع والخرافات التي تدعو إلى الغلو في الصالحين وصرف العبادة لهم ولقبورهم.
وهو سبحانه له الأسماء الحسنى؛ الرحمن على العرش استوى، الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد. ندعوه بأسمائه ونحبه مِن كل قلوبنا ونخافه ونرجوه ونتوكل عليه ونتجنب البدع.
ونؤمن بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر على ما جاء في الكتاب والسنة.
وفى العبادة والعمل:
نتبع سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونحارب البدع كلَّها، ونسعى إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في الأمة كلِّها، وكذا صوم رمضان والحج، وندعو إلى تجنب الحرام في المعاملات والأعمال، فلابد أن تُضبَط الدنيا بالدين؛ فنرفض الربا -ومنه فوائد البنوك الربوية- والرشوةَ التي دمرت المجتمع والميسرَ -القمار والغرر- وثمنَ الخمر والخنزير والميتة والأصنام، وكلَّ بيع أو إجارة ثبت النهي عنها في الكتاب والسنة أو أعانت على معصية الله.
وفى الأخلاق والسلوك:
نرى أن تَقَدُّمَ الأمة ورفعتَها في عودتها للتمسك بالأخلاق الفاضلة التي جاء بها الإسلام -وأصلها مراقبة الله والإخلاص له-؛ فنأمر ببر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والعاملين وغض البصر وحفظ الفرج وصدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالعقود وتعظيم حرمات المسلمين والمعاهَدين والمستأمَنين مِن غيرهم، وننهى عن سفك الدماء وغصب الأعراض، والأموال ونسعى إلى حل المنازعات بين الناس بشرع الله، ونحارب الخمر والمخدرات والزنا والتجارة والعمل في كل ذلك وما يعين عليه.
وفى السياسة وأنظمة حياة المجتمع:
نسعى إلى إقامة دين الله في الأرض وسياسة الدنيا به وإيجاد فروض الكفاية كلِّها:
- مِن نظام تعليم:
 يرتقي بأبناء الأمة ويُخَرِّج لنا أجيالاً تفهم دينها وتعمل به وتُكَوِّن كفاءات في جميع مجالات الحياة -مِن طب وهندسة وفيزياء وزراعة وصناعة وكلِّ الأنشطة الإنسانية- تقود الأُمَّة إلى النهوض من رقدتها وتضعها أمام كل الأمم.
- ومِن نظام إعلامي:
 واعٍ يقوم على الصدق والأمانة وتوضيح الحقيقة ومحاربةِ المبادئ المخالفة للشرع والشهوات المغوية والشبهات المضلة.
- ومِن نظام قضائي:
 عادل يقوم على القسط الذي شرعه الله، وجزءٌ منه نظام العقوبات الإسلامي؛ مِن حدود وردت في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بضوابطها الشرعية وتعزيرات لردع المفسدين، وهذه كلها لا تخيف أحدًا مِن أهل الخير والصلاح بل بها تقوم السماوات والأرض؛ لأنها العدل وليس ما اخترعه البشر من عقوبات أو قضاء بخلاف الشرع ما جرَّ على الناس إلا مزيدَ الفساد للمجتمع ونشرَ الظلم والمنكر فيه.
- ومِن نظام اقتصادي:
 يهدف إلى تحقيق التكافل بين الطبقات الاجتماعية بلا غنى مطغٍ ولا تسليطٍ لرأس المال ولا فقرٍ مُنسٍ يقهر الطبقات الفقيرة الكادحة، بل يجد كلُّ واحد كفايتَه ويتقاسم الناس فيه الخير والرخاء والثروات بنظام الزكاة، ويتجنب النظام الربوي وأنظمةَ الميسر والقمار المتفرعةَ عنه، كما يحافظ على الملكية الخاصة ويمنع مصادرة الأموال بغير حق طالما اكتسبها صاحبُها بالحلال مهما بلغت طالما أدى ما عليه، كلُّ هذا مع الانفتاح على العالم -وأَوَّلاً العالم العربي والإسلامي- لتحقيق الخير للأمم والشعوب في ظل الشرع.
- ومن السياسة الخارجية وفى مجال الحرب والسلم:
فلابد من تقوية الجيش الذي يدافع عن الدين والبلاد والعباد، ويحافظ على الكرامة، كما نفي بالعهود والمواثيق ولا نغدر ولا نخون.
 -ومِن النظام الاجتماعي:
ندعم المحافظة على الأسرة، ونؤكد على حق المرأة والضعيف كما ورد في الشرع لا على حسب أهواء الغرب ومنظماته الهادمة لمبادئ الشريعة، كما نسعى إلى وجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير كما أمر الله، ونؤكد حقَّ اليتيم والأرملة والمسكين.
ونعرف لغير المسلمين من أهل الكتاب حقَّهم؛ أن لا يُكرِهَهم أحدٌ في دينهم (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (الأعراف:54)، وهم جزء من المجتمع له حقوقه وعليه واجباته كما شرع الله لهم في أحوالهم الشخصية مِن زواج وطلاق ونحوه أن يتحاكموا إلى شرائعهم طالما لم يختلفوا، فإذا اختلفوا واحتكموا إلينا حكمنا بينهم بشرع الله، كما لا يُمنعون من ممارسة شعائرهم في بيعهم وكنائسهم ولا مِن أكل ما اعتقدوا حِلَّه كخنزير أو خمر على أن لا تكون في الأسواق والأماكن العامة، ونأمر بالعدل معهم والبر والإحسان لمن لا يحارب المسلمين في الدين، ونرى جواز البيع والشراء والإجارة والشركات والمضاربات وسائر الأنشطة التي أحلها الله، ولهم دورهم في بناء المجتمع والدولة، وهم مسئولون عن ذلك مع المسلمين وإن لم يتولوا الولايات العامة التي تهدف إلى إقامة الدين؛ فلا يُتصوَّر أن يتولاها مَن لا يؤمن بهذا الدين، ونحفظ حرمةَ دمائهم وأعراضهم وأموالهم امتثالاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن قتل معاهَدًا لم يَرَح رائحةَ الجنة)، وندافع عنهم كما ندافع عن المسلمين في ذلك كله، وقد قمنا بذلك بحمد الله أثناء الثورة -باركها الله-.
فهذه هي السياسة الشرعية التي نريد أن توضِّح للناس نموذجًا يختلف عن كل النماذج التي رأوها أو سمعوا بها؛ لأن مرجعيتها كانت على خلاف الشرعية، ومرجعيتنا في المشاركة السياسية الشريعةُ الإسلامية التي نريد المحافظة على هُوية الأمة بالتمسك بها وتفعيلها؛ حتى تتحول كلُّ التشريعات إلى ما يوافق الوحيَ المنزَّل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فهذه خطوط عريضة لحقيقة دعوتنا وأهدافنا، ووسيلتُنا في تحقيق ذلك ما أمر الله من التعاون على البر والتقوى، وجماعتُنا ترى لزومَ ذلك والاجتماعَ عليه في كل المجالات بما في ذلك مجال المشاركة السياسية من خلال الأحزاب التي تقوم على مرجعية الشريعة وتتعاون معًا لتحقيق الهدف المنشود.
أعاد الله الأعيادَ على أمة الإسلام كلِّها بالنصر والتمكين والعز والكرامة، ورَفَعَ عنها الظلمَ والعدوان.
اللهم احفظ بلادنا آمنة مطمئنة رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.