السبت، 6 أبريل 2013

التوحيد أولاً.. شبهات وردود






الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمعرفة الله -عز وجل بأسمائه وصفاته وأفعاله، وألوهيته وربوبيته- هو نعيم الحياة، وراحة القلب، وطمأنينة النفس، وجنة الدنيا، فكلما عرف العبد ربه -تبارك وتعالى-؛ ازداد له حبًّا وتعظيمًا وإجلالاً وعبودية، واستراحت نفسه واطمأن قلبه، وعاش المعيشة الهنيئة السعيدة، ولا تطيب الدنيا إلا بمعرفته وذكره وطاعته، كما لا تطيب الآخرة إلا برؤيته، يقول الله -تعالى- لأهل الجنة بعد دخولهم الجنة: (تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟! أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟! قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ -عَزَّ وَجَلَّ-) ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) (رواه مسلم)، وفي رواية: (أحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي؛ فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا) (متفق عليه).
والمحور الذي يدور حوله القرآن كله هو الحديث عن الله -تعالى- وصفاته، وأفعاله، وحقوقه، وإكرامه لأهل طاعته، وعذابه لأهل معصيته، وهو الحديث الذي يهز النفوس، ويحرك القلوب، ويزيل الأدران والأرجاس التي تحبس الإنسان عن الخير، قال -تعالى-: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر:23).
"ومعرفة الله، والعلم به هو العاصم من الزلل، والمقيل من العثرة، والفاتح لباب الأمل، والمعين على الصبر، والواقي من الخمول والكسل" "الأسماء والصفات في معتقد أهل السنة".
ومعرفة الله هو أشرف العلوم؛ لأنه علم بأشرف وأعظم وأجل معلوم -سبحانه وتعالى-.
قال الإمام ابن العربي المالكي -رحمه الله- في كتابه "أحكام القرآن": "شرف العلم بشرف المعلوم، والباري أشرف المعلومات، فالعلم بأسمائه أشرف العلوم".
فأفرض فرض، وأوجب واجب على المسلم في العلم والعمل والدعوة إلى الله: معرفة الله -تعالى-، وتعريف الناس بالله وما له من حقوق، وهو ما يسمى بـ"علم التوحيد" أو "العقيدة"، وهو معرفة أركان الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وكانت تسمى هذه المسائل على عهد الصحابة الإيمان، قال جندب بن عبد الله -رضي الله عنه-: "فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ؛ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا" (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وشهرت بعد ذلك باسم: "السنة"، وكانت مؤلفات علماء أهل السنة في تقرير مسائل الإيمان وتعريفها بهذا الاسم كـ"السنة" لابن أبي عاصم, و"السنة" للبربهاري, و"أصول السنة" للإمام أحمد، وغيرها كثير، وأكثر المصطلحات شيوعـًا في هذا العصر: "التوحيد" أو "العقيدة"، ولابد من البداءة بالتوحيد علمًا وتعليمًا ودعوة إلى الله -تعالى-؛ لما ذكرنا، وللأسباب التالية:
1- أنه أول واجب على العباد:
قال الله -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) (محمد:19).
قال الشيخ حافظ حكمي -رحمه الله- في "سلم الوصول":
أول واجــب عـلــى العـبـيـد               معرفة الرحمن بالتوحـيد
إذ هو من كل الأوامر أعظم              وهو نوعان أيا من يفهم
وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وفي رواية: (إلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ -تَعَالَى-) (متفق عليه).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وقد علم بالاضطرار من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام، وأول ما يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله".
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي في مقدمة شرحه للعقيدة "الطحاوية": "فإنه لما كان علم أصول الدين أشرف العلوم؛ إذ شرف العلم بشرف المعلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع، ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- ما قاله وجمعه في أوراق من أصول الدين "الفقه الأكبر"، وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ لأنه لا حياة للقلوب، ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه" اهـ.
2- أول ما يحاسب عليه العبد، وأعظم ما يسأل عنه:
لأن أساس الحساب على التوحيد، ثم بعد ذلك يحاسبون على بقية الأعمال، حيث ينادي منادٍ يوم القيامة: "لتتبع كل أمة ما كانت تعبد"، فيفرق بين الناس -أولاً- على أساسه.
وأسئلة القبر الثلاثة: من ربك؟ وما دينك؟ وما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ إنما هي أسئلة عن توحيد العبد وإيمانه، وأحاديث أول ما يحاسب عليه العبد بعد الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء، فإنه بعد انقسام الناس على أساس التوحيد، فأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله: الصلاة، وأول ما يحاسب عليه من حقوق الناس: الدماء، قال الله -تعالى-: (وقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ) (الشعراء:92-93)، وقال -تعالى-: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (القصص:62)، وقال -تعالى-: (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) (النحل:56)، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًّا.
3- أنه حق الله على العباد:
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ: (يَا مُعَاذُ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ)؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ: أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)، وفي رواية: (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ) قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ) (متفق عليه).
4- أنه الغاية التي خلق الإنسان من أجلها:
قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، قال علي -رضي الله عنه-: "إلا لآمرهم أن يعبدون، وأدعوهم إلى عبادتي"، وقال -تعالى-: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115) أي: أفحسبتم أنما خلقناكم بلا قصد، ولا إرادة منا، ولا حكمة.
وقال -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) (الإسراء:23), وقال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا) (التوبة:31), وقال -تعالى-: (ومَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة:5)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
5- الغاية من بعثة الرسل -عليهم الصلاة والسلام-:
قال -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل:36).
6- منهج رسل الله جميعـًا:
فما من نبي، ولا رسول إلا وكان أول دعوته ولبها: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (المؤمنون:32)، وظلوا يدعون أقوامهم لذلك طيلة فترة حياتهم.
7- منهج رسولنا -صلى الله عليه وسلم-:
ظل النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة عشر عامًا في مكة يدعوهم إلى ذلك، ويبث الإيمان في القلوب، وفي المدينة كان كذلك، فلم يكتف بثلاثة عشر عامًا في مكة، ونزلت الفرائض مرتبطة بمعاني الإيمان والتوحيد والعقيدة، فكان النداء في الأحكام والأوامر والنواهي بـ"يا أيها الذين آمنوا"، فإيمان الإنسان وتوحيده هو الذي يدفعه إلى تنفيذ الأمر، والانتهاء عن المنهي عنه، وكان يعلم أصحابه البداءة به في دعوتهم وتعليمهم الناس كما في حديث معاذ السابق: (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) وظل كذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى آخر رمق من حياته يعلمه ويحمي جنابه، فكان من آخر ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ). يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا (متفق عليه).
بل في أشد الظروف وأصعب المواقف لم يتنازل عن شيء منه أو يتهاون في مسألة من مسائله كما حدث في المسير إلى حنين حين طلب بعض حديثي العهد بالإسلام من مسلمة الفتح "ذات أنواط" شجرة يتبركون بها، فكان الموقف الصارم الشديد من النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سُبْحَانَ اللَّهِ! هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
فلم ينتظر انتهاء المعركة حتى يصحح هذا الخطأ، ولا خاف من تفكك الجيش والأمة، ولا حرص على توحيد الصف وتوحيد الأمة -المزعوم في هذه المواطن-؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- يعلم ويعلمنا أن الأمة لا تنتصر إلا بتحقيق معاني التوحيد والعبودية، ولا تجتمع إلا على كلمة التوحيد الصافية نقية من أي شوائب؛ قال الله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (النور:55).
8- أهم أعمدة الدين:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) وفي رواية: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسَةٍ: عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ) (متفق عليه).
9- أفضل الأعمال:
عن ماعز التميمي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل:  سُئِلَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ الْجِهَادُ، ثُمَّ حَجَّةٌ بَرَّةٌ تَفْضُلُ سَائِرَ الْعَمَلِ كَمَا بَيْنَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وأن هشام بن العاص بن وائل نحر حصته خمسين بدنة، وأن عمرًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: (أَمَّا أَبُوكَ فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ؛ نَفَعَهُ ذَلِكَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
10- سبب النجاة من النار:
قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82)، والظلم في الآية هو: الشرك كما فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: (قَالَ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا؛ لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي -أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي- أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه البخاري).
وفي حديث الرجل الذي أمر أهله إن مات أن يحرقوه ثم يذروه في يوم شديد الريح فجمعه الله -تعالى-، وقال له: (مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ. فَغَفَرَ لَهُ) (متفق عليه)، وحديث البطاقة المشهور وقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ؛ دَخَلَ النَّارِ).
11- دعوة التوحيد دعوة مجربة الثمار:
فانظر إلى آثارها في حياة رسل الله -عليهم الصلاة والسلام-، وآثارها في أمتنا وفي جيل الصحابة ومن بعدهم ممن سار على نهجهم؛ تعلم كيف صنع هذا المنهج أجيالاً غرة في جبين الدهر، وتاجًا على رأس الحياة، ونماذج تشرف البشرية بانتساب هؤلاء إليها.
12- لا تقدم ولا انتصار للأمة إلا بتحقيقه:
في قوله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55)، اشترط الله تحقيق العبودية لتحقيق النصر، وانظر في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- خير مثال، لذلك كما في حديث: "ذات أنواط" السابق، وانظر إلى فعل قادة الأمة الذين قادوها إلى النصر الموعود بعد فترات الضعف إنما أحيوا الإيمان في القلوب وطهروا البلاد من المنكرات والمحرمات، وانتشرت الطاعات وقلت المعاصي والمنكرات، وانظر -على سبيل المثال لا الحصر- ما فعله صلاح الدين الأيوبي قبل "حطين"، وما فعله قطز، وعز الدين ابن عبد السلام قبل معركة "عين جالوت".
13- وأعداء الإسلام وأعداء الأمة يعلمون أهمية التوحيد في إحياء الأمة، لذا؛ يحاولون طمس معالمه، وتشويه صورته، وتحويل الناس عنه، وعلى هذا فلا تعجب أن يحضر "السفير الأمريكي" مولد "السيد البدوي"، وقبل ذلك كانت الحملة الفرنسية تشجع ذلك، فقد قال "الجبرتي" -رحمه الله- في كتابه "عجائب الآثار" وهو مؤرخ شاهد على هذه الحقبة من الزمان؛ فقد كان معاصرًا للحملة الفرنسية حين جاءت إلى مصر، قال سنة 1213هـ في ربيع الأول:
"سأل صاري العسكر عن المولد النبوي، ولماذا لم يعملوه كعادتهم، فاعتذر الشيخ البكري بتوقف الأحوال وتعطل الأمور وعدم المصروف. فلم يقبل وقال: لابد. وأعطى الشيخ البكري ثلاثمائة ريال فرنسية يستعين بها، فعلقوا حبالاً وقناديل، واجتمع الفرنسيون يوم المولد ولعبوا ودقوا طبولهم، وأحرقوا حراقة في الليل وصواريخ تصدع في الهواء ونفوطـًا".
ولعلك تعجب لما فعل الفرنسيون ذلك؛ فيجيبك الجبرتي: "ورخص الفرنساوية ذلك للناس؛ لما رأوه فيه من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات".

*****

فقد رفع السلفيون شعار: "كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة"، و"كلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة"، و"التوحيد أولاً"؛ إيمانًا منهم -بالأدلة من الكتاب والسنة، والتاريخ، والواقع أن المسلمين لن تقوم لهم قائمة، ولن يحدث التمكين للمسلمين في الأرض، ولن يسودوا الدنيا إلا بتحقيق معنى لا إله إلا الله، وتحقيق العبودية لله -تبارك وتعالى-، وقد شغـَّب على هذا المعنى بعض الناس عن حسن نية، وحسن قصد تارة، أو عن عاطفة جياشة محبة للأمة تارة، أو عن تعب من طول الطريق تارة، أو عن جهل وعدم علم بالكتاب والسنة وتاريخ الأمة تارة أخرى، فدارت بعض الشبهات في هذه القضية نجمل أهمها:
الشبهة الأولى: أن الكلام في التوحيد، وفي مثل هذه القضايا يفرق الأمة، ونحن نريد توحيد الأمة!
بادئ ذي بدء: إن الذي يفرق الأمة هو من يخالف كتاب الله -تعالى-، وسنة النبي -الله صلى الله عليه وسلم-، ومن يدعو إلى ضلالة، أو بدعة تخالف ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن الله تعبدنا باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يتعبدنا باتباع قول أحد غيره كائنًا من كان، قال -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران:31)، وقال -تعالى-: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) (النور:54)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقال الإمام مالك -رحمه الله-: "كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا المقام، وأشار إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-"، فعكس للأمور، وقلب للحقائق أن يقال: إن من يدعو إلى السنة، وإلى تحقيق اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يفرق الأمة، وإلا لكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مخطئًا حين حارب الخوارج -بعد أن بعث لهم ابن عباس -رضي الله عنهما- فناظرهم وأدحض حججهم، ورجع معه آلاف منهم-، ولكان الواجب عليه أن يحتضنهم لتجميع الأمة، وهذا لا يقوله مسلم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن صحة ما فعله علي -رضي الله عنه- حين قال: (فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ)  (متفق عليه).
ثانيًا: لم يقم أهل البدع والضلالات يومًا ما بنصرة الأمة، أو الجهاد في سبيل الله، والقيام بالفتوحات، بل التاريخ يظهر أنه يوم أن تمكن العبيديين الشيعة المسمون زورًا بـ"الفاطميين" في مصر والحجاز؛ ماذا فعلوا إلا تعطيل الجهاد والفتوحات، ونشر البدع والضلالات والانحرافات، ولم تقم للأمة قائمة إلا بعد أن تخلص "صلاح الدين الأيوبي" منهم بعد محاولاتهم العديدة لقتله، وما فعله القرامطة -حتى اقتلعوا الحجر الأسود وأخذوه عندهم- شاهد آخر، وحين تمكن المعتزلة زمن الإمام أحمد ما فعلوه فيه، وفي أهل السنة، وهذا حال أهل البدع على الدوام، وانظر ما فعلوه في شيخ الإسلام ابن تيمية، وفي البربهاري، وغيرهم من أئمة السنة.
وحين مُكِّن للشيعة في إيران لا يخفى ما فعلوه في أهل السنة ويفعلونه إلى اليوم، وما يفعلونه في العراق، "ومن نافلة القول أن نقول: إن هذا ليس حال أهل السنة معهم حينما يمكنوا" ولم توحد الأمة، ولم تقم لها قائمة، ولم تفتح البلاد، وترفع راية الإسلام إلا على يد أهل السنة والجماعة.
ثالثـًا: التجربة الأفغانية في الثمانينات شاهدة على صحة المقولة: "التوحيد أولاً" و"كلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة"، وخطأ الذين يريدون توحيد الأمة على غير هذا المنهج. فرفقاء الجهاد الذين حاربوا الروس قرابة السبعة عشر عامًا بذلوا ما بذلوا حين مُكن لهم، وحاولوا التوحد مع وجود السني والشيعي والصوفي ما لبثوا إلا أن تقاتلوا، فكل واحد يريد كل شيء لنفسه ولمنهجه، وقتل من الأفغان في هذه الفتنة أكثر مما قتل في جهاد الروس كما يقول بعض المحللين، وقد توقع بعض أهل العلم هذه الفرقة بسبب وجود المناهج المختلفة قبل أن يُمكَّن الأفغان بسنوات، ولم يكن هذا رجمًا بالغيب، ولكنها القراءة الواعية للسنن والتاريخ.
رابعـًا: محاولات التقريب بين السنة والشيعة -على سبيل المثال- في العصر الحديث -ولنأخذ منذ زمن الشيخ "محمد رشيد رضا" -رحمه الله- إلى الآن، واشترك فيها من كان لهم مكانة وشهرة في الأمة في زمانهم كأمثال الشيخ "حسن البنا" -رحمه الله-، والدكتور "مصطفى السباعي"، وانتهاءً اليوم بالدكتور "يوسف القرضاوي"- ما أفلحت في توحيد السنة والشيعة، بل باءت بالفشل رغم تنازلات أهل السنة الكثيرة، والكل يعلم نتيجة ما حدث، وآخره ما كان من كلام الدكتور يوسف القرضاوي؛ لأن المنهج الذي تتوحد عليه الأمة ليس هو التوحد وكفى أيًّا ما كان الأمر حتى ولو بالتنازل عن ثوابت الأمة.
خامسًا: كيف يكون في جيش واحد، وصف واحد، ومكان واحد من يتعبد بالترضي على أبي بكر وعمر والصحابة أجمعين مع من يتعبد بلعنهم وتكفيرهم، ومن إذا اضطر؛ قال: يا بدوي، ويا دسوقي، مع من إذا اضطر؛ فزع إلى الله -تعالى-؟! كيف يتفقون ويتوحدون، وكيف يتعاملون مع بعضهم في مكان واحد وخندق واحد؟؟!!
 سادسًا: إن المنهج الذي ستتوحد عليه الأمة هو ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ، أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ. ثُمَّ سَكَتَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني), فإلى من يريد توحيد الأمة في آخر الزمان... ستتوحد الأمة على منهاج النبوة على مثل ما كان عليه أبو بكر وعمر وغيرهما من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهل بعد هذا المقال من مقال، وبعد كلام النبي من كلام؟!
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً) قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، فهل بعد هذا البيان من بيان؟!، وهل بعد هذا التوضيح من توضيح؟!
الشبهة الثانية: أن الأمة اليوم موحِّدة فلا حاجة للكلام فيه!
بداية؛ من ثوابت المنهج السلفي: عدم اتهام أحد من المسلمين الذين ثبت إسلامهم بيقين بالكفر، وهذا واضح بيِّن لا يحتاج إلى مناقشة، بل الأصل في المسلم أنه على منهج أهل السنة والجماعة، وليس من أهل البدع إلا إذا ظهر منه ما يدل على خلاف ذلك، ولكن التوحيد أفرض الفروض، بل هو أهم وآكد أركان الإسلام، وتعلمه وتعليمه واجب، فهل يقول أحد: لا نعلم الناس الصلاة والزكاة، ونكتفي بمعرفتهم؟ لا يقول ذلك أحد، فكيف بما هو أهم منهما؟! فهذا قيام بأحد الفروض علينا كقيامنا بالصلاة والزكاة، والحديث عن هموم الأمة ومشاكلها، والدعوة إلى الله وغير ذلك.
ثانيًا: لا يخفى وقوع بعض المسلمين في مخالفات كثيرة، كالتوسل بغير الله، والتمسح بالأضرحة، وعدم التحاكم إلى الشرع، وغير ذلك من المنكرات التي تعج بها المجتمعات الإسلامية، ففي تعليم الناس التوحيد، وتعريفهم بدينهم بيان للجاهل والمخالف، ورده إلى الحق وحتى لا يقع غيره من المسلمين في هذه المخالفات، فإذا كان بعض الصحابة من مسلمة الفتح جهل بعض قضايا التوحيد كما في حديث "ذات أنواط"، فغيرهم من المسلمين يقع في مثل ذلك، لذا؛ قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب "التوحيد" في المسألة الرابعة من مسائل باب: "من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما": "أنهم -أي: الصحابة من مسلمة الفتح- إذا جهلوا هذا، فغيرهم أولى بالجهل"، بالإضافة إلى أن هذه المسائل جزء من الدين يجب علينا تعلمها.
الشبهة الثالثة: أنتم تتكلمون في هذه القضايا، والمسلمون يذبحون، ويقتلون، ويشردون في كل مكان، بل قد يتجرأ البعض، فيقول: دعوا هذه المسائل، وفقه دورات المياه، والمسالك البولية، واهتموا بما هو أهم!
أولاً: يجب على كل مسلم احترام وتقدير كل ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من واجب، أو مستحب، من صغير أو كبير في نظره -وإن كان ليس في الإسلام صغير وكبير، أو قشر ولباب، بل ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- يدور بين الأهم والمهم-، ولا يتكلم بالكلام الذي يشعر بانتقاص بعض مسائل الدين؛ لأن بعض من لا علم عنده يستخدم مثل هذه الكلمات بأسوأ مما يكون، بل يتجرأ بسببها على السنة، وعلى علماء الأمة، بل وعلى الشريعة التي يدعو إلى تحكيمها.
ثانيًا: الاهتمام بالمسلمين وقضاياهم من التوحيد، ومن معنى: لا إله إلا الله، وتحقيقـًا لعقيدة الولاء والبراء.
والمنهج السلفي يقدم ما قدم الله، وينزل كل قضية منزلتها، ويحقق عبودية الوقت، ومواقف السلفيين عبر التاريخ من قضايا المسلمين سواء في فلسطين أو أفغانستان أو الشيشان أو البوسنة أو غيرها من بلاد المسلمين شاهد على هذا الاهتمام، ولكن هناك من يكثر الضجيج والصراخ مع ما ماله من القوة الإعلامية حتى يظن الظان أنه الوحيد الذي يفعل كل شيء، وغيره لا يفعل شيئًا!
بل إن المنهج السلفي يتميز عن غيره بتأصيل هذه القضايا من منظور إيماني عقدي لا يزول بزوال محنة المسلمين في بلد ما، لا من منظور عاطفي إعلامي ينتهي ويزول بمجرد حذف هذه القضايا من مقررات النشرات الإخبارية.
وأيضًا بتعريف كل فرد من الأمة ما يمكنه فعله سواء كان شيخًا كبيرًا أو امرأة عجوزًا أو طفلاً، ولا يكتفي بمجرد إثارة عواطف الشباب بكلمات قوية معسولة أو خطب رنانة.
ثالثـًا: نُعرِّف لكل فرد ما يجب عليه حتى يقوم كل فرد في الأمة بما يستطيع، حتى ولو كان شيخًا كبيرًا، أو امرأة عجوزًا، ولا نكتفي بمجرد إثارة عواطف الشباب بكلمات معسولة، وخطب رنانة.
رابعـًا: أننا نؤدي هذا الفرض الذي علينا من تعلم التوحيد وغيره من قضايا الدين، ونعلمها وندعوا أنفسنا والمسلمين من حولنا إلى العمل بها والتمسك بها، ولاشك أن هذا عمل صالح، فلعلنا بهذا نكون أقرب إلى الله -تعالى-، فإذا دعوناه؛ علـَّه أن يغير حالنا.
الشبهة الرابعة: نحن في القرن الواحد والعشرين، فهل يعبد أحد الأصنام حتى نتكلم في هذه القضايا!
لا يخفى على أحد: أن الكلام عن عبادة الأصنام ليس هو التوحيد كله، فمسائل التوحيد كثيرة من الإيمان بالرسل، والكتب، والقدر، واليوم الآخر، وما يتعلق بذلك.
ثانيًا: أن في الكلام على ذلك تنبيه على غيره من كل ما يعبد من دون الله.
ثالثـًا: في القرن الواحد والعشرين، وفي أكثر البلاد حضارة -على زعمهم- أمريكا مثلاً فيها عبادة الشيطان، ولها معابدها وعبادها، وعبادة الشيطان بالمعنى الموجود عند هذه الطائفة لم يفعلها حتى أبو جهل وأبو لهب، وفي الهند -وهي دولة نووية كبيرة- يعبد فيها البقر، والفئران، وغير ذلك حتى قال بعض أهل العلم: فصار كل شيء يتحرك يعبد هناك من دون الله، وفيها ما يقرب من ثلاثة آلاف ديانة، وما الذي حدث مع صنمي بوذا في أفغانستان عن الأذهان ببعيد؟!!، فهذه قضايا يحتاجها المسلم في كل عصر ومصر.
رابعـًا: الكلام في مسائل التوحيد والإيمان هو كلام في كل ما يتعلق بشريعة الإسلام من: فقه وسيرة وأصول وآداب وتربية وغير ذلك، ولا يعرف ذلك إلا من درس التوحيد ودرَّسه، وربى الناس عليه مقتديًا بمنهج وطريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في تربية أصحابه على التوحيد.
الشبهة الخامسة: أن هذه المسائل من مسائل الترف العقلي!
وهذه شبهة لا تستحق الكلام عليها، فكيف يقال على أصل الدين، وأفرض الفروض، وأصل دعوة جميع الرسل ترف عقلي!! هذا بهتان عظيم.
هذه في نظري أهم الشبهات والرد عليها، فإن كان فيها من صواب؛ فمن الله، وإن كان من خطأ؛ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- منه براء.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلِ اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه/ محمد سرحان 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق